وكأن خبير الإعلام والمفكر الكندي الشهير مارشال ماكلوهان عندما قال في ستينات القرن العشرين أن العالم سيتحول إلى «قرية صغيرة» كان يقرأ ما سيحدث في الملتقى الإعلامي العربي الثامن عشر، الذي استضافت الكويت أنشطته وفعالياته على مدار يومين، بعدما برهن بشكل واضح على أن هموم الإعلام وتحدياته هي نفسها لا تتغير في جميع الأقطار العربية. جمعت الكويت التي تملك تراثاً عريقاً ومحترماً في الفن والإعلام، كوكبة من الوزراء والشخصيات البارزة ونجوم الإعلام التقليدي والجديد ومشاهير وسائل التواصل الاجتماعي تحت سقف واحد، في الفعاليات التي حظيت برعاية الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح رئيس مجلس الوزراء، وأظهرت الحاجة الماسة إلى تعزيز التعاون العربي في المجال الإعلامي وتطوير المنظومة الإعلامية العربية. حرص الملتقى عبر 14 ندوة على مناقشة العديد من قضايا الإعلام المختلفة وتسليط الضوء على تطورات الإعلام والمتغيرات المؤثرة في صناعة الإعلام والاتصال، وأعجبتني «الواقعية» التي تحدث بها المشاركون بعيداً عن التنظير والكلام العاطفي، وظهر بوضوح أهمية تكاتف صناع الإعلام وسفراء الدول العربية ومنهم بحضورهم المتميز سفير خادم الحرمين الشريفين سمو الأمير سلطان بن سعد آل سعود وسفير مملكة البحرين صلاح المالكي حيث تألق الحضور باهتمام رسمي.. مميز سواء الرسمي أو الخاص على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي يعيشها المجتمع، والاستفادة بشكل كبير من التقنية وثورة الاتصالات التي جعلت المسافة شاسعة بين ما كنا نقرأه نظريا، وما أصبحنا نعايشه عمليا كل يوم، لقد فرضت المتغيرات قواعد جديدة لممارسة الإعلام التي تتطلب تعزيز سبل التعاون البناء بين جميع الدول العربية في كافة المواضيع ذات الاهتمام المشترك. لم يتجاهل المشاركون في الملتقى الإعلامي الطفرة الكبيرة التي يشهدها العالم في جميع القطاعات، وخصوصاً الذكاء الاصطناعي الذي يعد محددا جوهريا في فهم مستقبل العمل الإعلامي، بعدما أضحى خلال السنوات الأخيرة يفرض نفسه بشكل واضح ومتزايد في مختلف القطاعات المهنية والخدماتية بما فيها ميدان الإعلام والاتصال، لاسيما بعد أن أقدمت بعض القنوات على استخدام روبوتات في إنجاز برامج تليفزيونية ونشرات إخبارية. قدم الملتقى صورة رائعة للوفاء والتلاحم العربي، بعدما كرم شخصيات إعلامية وفنية، منها الفنان الكويتي الراحل القدير عبدالكريم عبدالقادر، والإعلامي السعودي سلطان السعد، والإعلامية اللبنانية نايلة تويني، وجاء اختيار بيروت عاصمة للإعلام العربي 2023 دعماً للعاصمة اللبنانية التي ظلت على مدار سنوات طويلة منارة للإعلام والثقافة في ظل الظروف والتحديات التي تواجهها. شعرت بكثير من التفاؤل على مستقبل الإعلام العربي بعد ما شهدته من جلسات وندوات ملهمة وأفكار وأطروحات من خارج الصندوق.. تؤكد أن نهر العطاء لن يتوقف.. وسيظل الإعلام العربي يملك الكثير من العافية والبريق.