انطلقت، بمدينة جدة الدورة الثانية والثلاثين للقمة العربية العادية «قمة التجديد والتغيير»، برئاسة المملكة العربية السعودية، وبمشاركة قادة الدول العربية ورؤساء الوفود. تأتي القمة في وقت تمر فيه الأمة العربية بعدد من التحديات الكبيرة، في ظل صراعات إقليمية ودولية وتحديات سياسية، وعسكرية واجتماعية وأمنية وتنموية في مختلف الدول العربية. كما أنها تعقد في ظل مستجدات مهمة حدثت في المنطقة والعالم، حيث وكما شاهدنا قامت المملكة العربية السعودية، وتقوم، وبنجاح، بجهود كبيرة ومتواصلة لحل الأزمات في الشرق الأوسط، بداية بإنهاء الأزمة الخليجية، ثم بالسعي إلى تصفير المشاكل مع الجارة إيران، من خلال الموافقة على المبادرة الصينية باستئناف العلاقات بين البلدين، والعمل على انهاء الحرب بين الفرقاء في اليمن، ومحاولاتها الدائمة لإنهاء التوتر في ليبيا، والعمل مع العراق في مختلف الجوانب المختلفة الأمنية والتنموية. كما أن الجهود الكبيرة التي بذلتها المملكة في عودة سورية إلى الحضن العربي من خلال هذه القمة، بعد 12 عاما من غيابها عن القمم العربية، وتنشيط العلاقات السعودية التركية خلال الأشهر الماضية، ستساهم بشكل أو بآخر في حلحلة الكثير من الملفات العربية العالقة، في كل من سورية والعراق وليبيا، وإنهاء الصراعات الأخرى في المنطقة. ولعل المراقب للشأن التنموي في منطقة الشرق الأوسط، يرى أن المملكة والحمد لله تعيش قفزات تنموية اقتصادية وأمنية وسياحية، وتطور في المجالات التقنية والحوكمة في المجالات الأخرى، ومن خلال هذه القمة ستقدم المملكة الفرصة للأشقاء في العالم العربي، للعمل المشترك في مختلف مجالات التعاون، وهنا نستذكر، قول صاحب السمو الملكي ولي العهد عندما قال (أريد أن أرى الشرق الأوسط أوروبا الجديدة)، والمملكة عندما تتقدم وتتطور فإن ذلك سيشمل أشقائنا في الدول العربية، لتتحقق النهضة المشتركة ولتعميق أواصر العلاقات مع الدول العربية الشقيقة، ودفع آليات العمل المشترك، وتوحيد الصف العربي، لصالح الشعوب العربية كافة. وفي المجال السياسي، نرى أن المملكة قدمت وتقدم الكثير من أجل حل الصراعات العربية، ولعل المبادرة الأخيرة الموجهة لحل الأزمة في السودان، توضح بجلاء حرص المملكة قيادة وشعبا على إنهاء هذه الأزمة الطاحنة، والتي ستلقي بضلالها على أمن البحر الأحمر، ومن هنا فإن قمة جدة في رأيي، ستتبنى التوجه السعودي، وستسعى إلى تعزيز التشاور والتنسيق بين الدول العربية، للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة وتعزيز المصالح العربية، خاصة في ظل المتغيرات المتلاحقة والتدخلات في الشأن العربي، من أطراف لا تريد الخير والاستقرار للمنطقة. ولكن هناك عدد من التحديات التي تواجه القمة العربية في جدة. فنحن نرى ما يمر به العالم والمنطقة من أزمات وصراعات إقليمية ودولية، منها الحرب في أوكرانيا، وتبعاتها السياسية والاقتصادية على المنطقة، والفكر الإرهابي، والجماعات المسلحة، وتصنيع وتهريب المخدرات، وارتفاع البطالة، والأمن المائي العربي في العراق ومصر والسودان، والتدخلات الدولية في الشؤون المحلية للكثير من الدول العربية. كل تلك التحديات تتطلب من قادة الدول العربية إيجاد الآليات المناسبة، لمواجهة تلك التحديات الكبيرة والمشتركة، وتعزيز العمل العربي المشترك في المجالات الأمنية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية، لتحقيق الرفاه لدولها وشعوبها. ومن القرارات المنتظرة من قمة جدة، تطوير عمل جامعة الدول العربية وتعزيز التعاون الاقتصادي والأمني والعسكري والاجتماعي والعملي بين الدول الأعضاء، فمن المنتظر أن يصدر أكثر من 32 قرارا وتوصية، حول عدد من القضايا السياسية التي تهم المواطن العربي، مثل القضية الفلسطينية، والحق الفلسطيني الثابت في العيش بكرامة وحرية، ضمن حدود دولته وعاصمتها القدسالشرقية، وكذلك تكثيف الجهود لإنهاء الأزمة في السودان وإنهاء الصراع وتوحيد البندقية السودانية، وكذلك تحديات الأزمة السورية وقضية اللاجئين السوريين، وحل الصراع اليمني وكيفية التوصل إلى اتفاق شامل، يؤدي لوقف إطلاق النار بشكل دائم، وإنهاء الحرب المستمرة منذ سنوات في البلاد. كذلك مناقشة الوضع المتأزم في لبنان وليبيا والصومال، والحق العربي المصري السوداني في المياه ومشكلة سد النهضة الإثيوبي، وكذلك الموافقة على «الاستراتيجية العربية للسياحة» و»الأجندة الرقمية العربية 2023-2033»، وانضمام جمهورية الصومال الفيدرالية لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى. ومن المهم أمام قمة التجديد والتغيير، الخروج بقرارات حاسمة حول التعاون الاقتصادي بين الدول العربية، حيث يمثل الوضع الاقتصادي المتردي في عدد كبير من الدول العربية، عبئا آخر يضاف إلى ملفات قمة جدة. فقد كان للصراعات والأزمات التي مرت وتمر بها الدول العربية الأثر المدمر على اقتصاداتها، كما أن جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا أثرت سلبا على الوضع الاقتصادي والمعيشي والاجتماعي للمواطنين في مختلف الدول العربية. وكلي ثقة بأنه، وعلى الرغم من صعوبة الوضع العربي بشكل عام، فإن جهود المملكة العربية السعودية السابقة واللاحقة في دعم العمل العربي المشترك، وتنظيم ورئاسة قمة جدة سيكون لها الأثر الإيجابي الكبير في مختلف المجالات السياسية والتنموية والأمنية في الدول العربية.