توجّه الناخبون الأتراك إلى صناديق الاقتراع في أول انتخابات رئاسية وبرلمانية تشهدها تركيا منذ خمس سنوات لاختيار ممثليهم في البرلمان التركي والتصويت لصالح أحد مرشحي رئاسة الجمهورية. ولم تشهد تركيا اختلافات حادة فيما حول قرارات التصويت المتفق عليها مسبقًا لصالح الحزب أو المرشح الذي قد تم اختياره. المشهد الأبرز والجدير بالتحليل هو حالة الافتراق بين فئتي كبار السن والشباب في تعاطيهم مع مجريات اليوم الانتخابي، وهي نتيجة كانت متوقعة بسبب توظيف الأحزاب التركية الاختلاف في التركيبة السكانية ضمن خططهم الانتخابية. فقد توجه كبار السن من الناخبين الأتراك في مجموعات صغيرة ولكنها متعددة شملت أبناء الحي السكني الواحد ممن تبادلوا أطراف الحديث قبل وأثناء وبعد عملية التصويت، بينما توجه صغار السن من شباب الناخبين إلى اللجان بشكل فردي وكان واضح تماما أنهم فضّلوا استخدام مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي لتوثيق تجربة بعضهم ممن أدلوا بأصواتهم لأول مرة فور وصلوهم السن القانوني لذلك. اختلاف الأجيال التركية كان أمراً ملحوظاً في صياغة الوعود والبرامج الانتخابية داخل غرف عمليات الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة التي تناولت ذلك العنصر وقدمت على أساسه أفكار جريئة لفتت انتباه الملاحظين وساهمت في تعميق فجوة الجيلين. كان واضحًا أن الحزب الحاكم قد اختار مخاطبة كبار السن عبر لفت الانتباه إلى أوضاع تركيا ما قبل وصوله للحكم عام 2002 وتسليط الضوء على ما حققه الرئيس رجب طيب أردوغان وما يستطيع أن يحققه في حال ضمن استمراره في السلطة. ولعل أبرز ما لجأت إليه الحكومة قبيل الانتخابات بأسابيع قليلة هو إعفاء المواطنين الأتراك من دفع آخر فاتورة استهلاك الغاز الطبيعي احتفالاً بباكورة إنتاج حقول الغاز في منطقة البحر الأسود. وجاء اختيار الحزب الحاكم توقيت إعفاء المواطنين من دفع فاتورة الغاز قبيل الانتخابات بالتحديد له دلالة سياسية في مخاطبة وجدان ومشاعر كبار السن من الناخبين الأتراك ممن يعتقدون "أن القوى الكبرى قد حرمت تركيا في القرن العشرين من أي مصادر للطاقة ووضعت بلادهم تحت رحمة الجيران ممن يمتلكون موارد نفط وغاز هائلة". على النقيض من ذلك، فإن أحزاب المعارضة تواصلت مع الفئات الشبابية باستخدام لغة الحقوق السياسية والحريات الشخصية وإطلاق وعود بتفعيل برامج اجتماعية اقتصادية تساعد الطلاب في مراحل الدراسة الجامعية وتدعم الباحثين عن فرصة عمل وتعزز من مكانة المرأة في الحياة السياسية وتحافظ على الإرث العلماني للجمهورية التركية. أما من ناحية الناخب فالعديد من المواضيع قد شغلت مخيلات كل من لديه حق التصويت، وكان من الواضح تماماً أن الشأن الاقتصادي هو الأبرز أمام أعين كل من أدلى بصوته في ذلك اليوم على إثر أزمات مرت ولكن بقت آثارها مثل انتشار وباء كورونا وأزمة سعر صرف الليرة التركية وحادثة زلزال غازي عنتاب. الموضوع الأبرز هو حالة التضخم التي فشلت كل المحاولات في السيطرة عليها طوال الأعوام السابقة بالرغم من مساعي الدولة لضبط أسعار السلع الغذائية، لكنها مساعٍ لم تستمر طويلاً ولم توقف غلاء الأسعار. لم يلجأ أي من الأحزاب المتنافسة في الانتخابات أو مرشحي الرئاسة إلى تقديم سياسات وبرامج اقتصادية واضحة من وجهة نظر خبراء المال والاقتصاد في تركيا، فقد أجمعت دوائر أهل الخبرة على أن الحزب الحاكم والمعارضة السياسية لا يملكون أفكاراً واضحةً عن الأدوات التي يمكن أن تؤثر في الحالة الاقتصادية الراهنة. يمكن القول إن المسافة أصبحت شاسعة بين الأطروحات الاقتصادية العلمية المتداولة حول أدوات حوكمة السوق من خلال ضمان استقلالية البنك المركزي التركي وضبط أسعار الفائدة والسيطرة على عجز الحساب الجاري وبين ما تشهده الأسواق من واقع المعوقات في التعاملات البنكية والتخلفات في سداد القروض والديون متراكمة على المصانع والشركات بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج والنقل. وبالرغم من ذلك، لا يذكر أن أحد أطراف المعركة الانتخابية تقدم بحلول عملية حول الفاتورة الثقيلة التي سيدفعها من يصل إلى السلطة.