تتجه الأنظار إلى تركيا خلال الفترة المقبلة، بعد الإعلان الرسمي عن تبكير موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة؛ لتكون في شهر أغسطس من العام الجاري، بعدما كان مقرر انعقادها في نوفمبر من العام المقبل 2019، وهو المقترح الذي تقدم به رئيس الحركة القومية التركية دولت بهجلي المُتحالف مع حزب العدالة والتنمية الحاكم، ووافق عليه الرئيس التركي رجب أردوغان، ضمن سلسلة من القرارات السريعة والمباغتة، آخرها الحملة العسكرية التركية في عفرين السورية، وتمديد حالة الطوارئ بالبلاد لمدة ثلاثة أشهر أخرى. ويأتي الإعلان المفاجئ بتعجيل الانتخابات الرئاسية التركية بعدما استطاع أردوغان أن يختار لتركيا نظام الحكم "الرئاسي" الذي كان من المفترض أن يبدأ نهاية العام المقبل، أي بعد عام ونصف من الآن، وهو الأمر الذي يراه مراقبون محاولة للهرولة نحو تثبيت النظام الرئاسي قبل تزايد الضغوط الشعبية التركية على وقع الضغوط الاقتصادية مع ارتفاع نسبة التضخم التي أدت لارتفاع الأسعار، وتراجع سعر الليرة أمام الدولار، وارتفاع عجز الميزانية ليبلغ أكثر من 20 مليار ليرة بما يعادل قرابة 4.9 مليار دولار، وعزوف بعض المستثمرين الدوليين عن التوجه لتركيا بعد استشعارهم القلق حيال الأوضاع الأمنية في البلاد، إضافة إلى محاولة حزب العدالة والتنمية استغلال ما يراه انتصارا في الحملة على عفرين السورية. بيد أن الانتخابات الرئاسية المبكرة التي وافقت عليها اللجنة الدستورية للبرلمان التركي، ويشارك فيها بصفة أساسية الرئيس الحالي أردوغان، تصطدم بمبدأ تكافؤ الفرص، نظراً لقوة موقف حزب أردوغان الحاكم والذي يتشعب في الإعلام وسلطات الدولة التركية القضائية والتشريعية والتنفيذية، في حين لا تتمتع الأحزاب الأخرى بذلك؛ مما يسهم في دعم المرشح أردوغان كما حدث في استفتاء توسيع صلاحيات الرئيس التركي خلال أبريل من العام الماضي، حيث كشفت لجنة المراقبة الأوروبية للاستفتاء عن إجرائه بشكل غير متكافئ بعدما سمح المجلس الانتخابي التركي باحتساب بطاقات الاقتراع التي لا تحمل الختم الرسمي. ورغم سيطرة حزب أردوغان على مقاليد الحكم والسلطة إلا أنها لا تضمن له تحقيق الفوز في الانتخابات الرئاسية المبكرة، قياساً بنسبة التصويت على استفتاء توسيع صلاحياته، والتي تم تمريرها بنسبة 51 بالمئة فقط من أصوات الناخبين، مما يعني أن فرصة نجاح المعارضة التركية كانت قريبة إلى حد بعيد في الاستفتاء الماضي، وتنذر بخطورة موقف الحزب الحاكم في الانتخابات المقبلة. وتستعد بعض الأحزاب التركية لخوض المنافسة أمام أردوغان، حيث أعلنت المعارضة التركية البارزة ميرال أكشينار التي شغلت منصب وزيرة الداخلية عام 1996م، وتحظى بشعبية كبيرة، عن خوضها الانتخابات عن "حزب الخير" التركي، معربة عن ثقتها في فوز حزبها في الانتخابات، من أجل تحقيق ما وصفته بتخليص تركيا من الأزمات والمآزق التي تعاني منها. وبذلك تكون تركيا أمام مفترق طرق إما فوز أردوغان عن حزب العدالة والتنمية والميلاد الرسمي للجمهورية التركية الثانية، أو انتصار المعارضة، وتمتعها بالصلاحيات الواسعة التي رسخها حزب أردوغان، والقضاء على مشروعه في البلاد. في غضون ذلك، ترى المعارضة التركية أن أردوغان يرسخ لحكم يقوم على الرئاسة المطلقة، يتحكم من خلالها بجميع سلطات ومؤسسات تركيا، كما تتهمه بتدبير المخططات السياسية للإطاحة بالمنافسين من القوى والتيارات السياسية، وإدارة مشروع سياسي لاستغلال الفوز في الانتخابات المقبلة لفرض التوجهات الأردوغانية على المجتمع التركي والدولي، حيث أكد حزب الشعب الجمهوري المعارض أن مشكلة تركيا تتلخص في نظام الرجل الواحد. كما تبدي المعارضة التركية امتعاضها من السياسات الخارجية لأردوغان مؤكدة أنها تضر بمصالح البلاد الإقليمية وتستنزف مقدراتها في دعم مشروعات هيمنة تخدم أحلام شخصية للرئيس التركي ولا تعود بالنفع على البلاد، في الوقت الذي تمر خلاله العلاقات التركية العربية بفترة حرجة، إضافة إلى تصاعد حدة التوتر بين تركيا من جهة واليونان وقبرص من جهة أخرى، على خلفية التنازع في بحر إيجة وحقول الغاز بالبحر المتوسط. وتلقي الأوضاع السياسية التركية بظلالها على فرص استمرار تركيا في التواجد داخل الاتحاد الأوروبي الذي يعترض بدوره على التغييرات السياسية التي ينتهجها الرئيس أردوغان، وأبرزها استمرار فرض حالة الطوارئ في البلاد؛ مما دفع الأوروبيين إلى تهديد النظام التركي مرارا وتكرارا من تداعيات هذه التغييرات على الوجود التركي في الاتحاد. Your browser does not support the video tag.