يمثل رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان، أمام القضاء بعد إبطال المحكمة العليا، قرار توقيفه الذي تسبب بأعمال شغب في كل أنحاء البلاد. وكان خان (70 عاما) اعتقل الثلاثاء فيما كانت محكمة في اسلام اباد، تستمع الى إفادته في قضية فساد، ثم وضع قيد الحجز الاحتياطي في اليوم التالي لثمانية أيام. وقد وصل أمس الى المحكمة، حيث سيطلب الافراج عنه بكفالة في موكب يحظى بحماية مشددة من الشرطة. وتم نشر مئات من عناصر الشرطة والقوات شبه العسكرية حول المحكمة، مع إغلاق كل الطرقات المؤدية إليها. لكن المحكمة العليا اعتبرت أن توقيفه "باطل وغير قانوني" بحسب الحكم المكتوب الذي نشر ليلا. ورأت ان هذا الاعتقال بمبادرة من مكتب مكافحة الفساد "انتهك حقوقه في اللجوء الى القضاء". لكنها أبقته في عهدة الشرطة المكلفة حمايته حتى، تنعقد جلسة المحكمة التي أوقف فيها. وقال فيصل حسين شودري، محامي خان "نأمل في منحه إفراجا بكفالة" ما يجنبه في الوقت الراهن توقيفا ثانيا في هذا الملف. وحذّر وزير الداخلية الباكستاني رانا صنع الله، من أن قوات الأمن "ستوقف خان مجددا". وأضاف في تصريحات تلفزيونية "في حال أقرت المحكمة العليا الافراج عنه بكفالة، سننتظر إلغاء الكفالة وسنعتقله مجددا". وخان مستهدف بعشرات القضايا التي يعتبرها محاولة من الحكومة والجيش، لمنعه من العودة الى السلطة. ويقول المدافعون عن حقوق الإنسان إن المحاكم الباكستانية تستخدم في غالب الأحيان، لاطلاق اجراءات طويلة بهدف خنق المعارضة السياسية. مهلة مؤقتة قال المحلل امتياز غول، إنه في هذا الإطار يبدو قرار المحكمة "مجرد مهلة، على الأرجح في إطار الجهود المبذولة لضبط الوضع، الذي أصبح متفجرا ولخفض التوتر". وقد دعا حزب خان حركة الإنصاف مناصريه الى التوجه الى اسلام اباد، لدعمه لكن الشرطة أعلنت على الفور حظر أي تجمع. أوقف مسؤولان كبيران من الحزب ليلا بتهمة تدبير أعمال العنف، ما يرفع عدد الموقوفين من كوادر الحزب الى عشرة. وقال شودري "هذا يثبت ان الحكومة لا تحاول بجدية حل المشكلة". أثار اعتقال خان الذي أطيح به في ابريل 2022 لكنه يعتمد على شعبية لم تتأثر، للعودة الى السلطة خلال الانتخابات المقبلة هذا العام، احتجاجات عنيفة في كل أنحاء البلاد. وأصيب مئات من عناصر الشرطة وتم توقيف أكثر من 3500 متظاهر، خصوصا في إقليمي البنجاب (وسط - شرق) وخيبر باختونخوا (شمال غرب) بحسب الشرطة. وقتل تسعة أشخاص على الأقل في حوادث مرتبطة بالتظاهرات، كما أعلنت الشرطة ومصادر طبية. في أمر نادر في باكستان، هاجم آلاف من مناصري حزب خان رموز الجيش، واتهموه بأنه ساهم في إزاحة زعيمه، الذي كان يتولى السلطة منذ 2018. وأمرت السلطات بقطع خدمات الانترنت وفرضت قيودا على شبكات التواصل الاجتماعي، إضافة الى إغلاق المدارس وإلغاء امتحانات نهاية السنة. خط أحمر يأتي توقيف خان لاعب الكريكت الدولي السابق، الذي تولى رئاسة الحكومة من 2018 إلى 2022، في إطار أزمة سياسية طويلة في باكستان، أدت الى إطلاقه حملة ضد الجيش الذي يحظى بنفوذ واسع في البلاد. وتشكل هذه الأحداث تصعيدا لافتا في الأزمة السياسية المستمرة في باكستان منذ أشهر، والتي شن خلالها عمران خان حملة غير مسبوقة على الجيش. وكان الجيش ساند في بادئ الأمر وصول خان الى السلطة في 2018 قبل ان يسحب دعمه له. ثم تمت إزاحة خان عبر تصويت لحجب الثقة عن حكومته في البرلمان في ابريل 2022. يأمل خان في العودة إلى السلطة، ويضغط على الحكومة من أجل تنظيم انتخابات مبكرة قبل أكتوبر، في بلد غارق في أزمة اقتصادية وسياسية عميقة. ويعتبر انتقاد الجيش في باكستان خطاً أحمر. وتم اعتقال سياسيين وسجنهم تكرارا في باكستان منذ تأسيس البلاد عام 1947. لكن قلة منهم تحدت بشكل مباشر الجيش، الذي نفّذ ثلاثة انقلابات على الأقل، وحكم البلاد لأكثر من ثلاثة عقود، ويحظى قادته بنفوذ واسع في السياسة الداخلية والخارجية. ويقول خان إن القضايا المرفوعة ضده هي جزء من حملة تقوم بها الحكومة والجيش، لمنعه من العودة الى السلطة. وجاء اعتقال خان بعد ساعات من انتقاد الجيش إياه، على خلفية اتهامه خلال تجمع كبير نهاية الأسبوع الماضي في لاهور، ضابط الاستخبارات الكبير الجنرال فيصل نصير، بالتورط في محاولة لاغتياله في نوفمبر، أصيب خلالها رئيس الوزراء السابق برصاصة في ساقه. لكن الجيش ينفي التهمة.