لم يكن تحرك المملكة باتجاه السودان لإحلال السلام والأمن والاستقرار طوال العقود الماضية؛ لتحقيق مصالح سياسية ذاتية، كون سياسات وعلاقات المملكة مع السودان كانت وما زالت وستظل تاريخية، وظلت المملكة تلعب دور الوسيط النزيه في أزمات السودان والشريك الاستراتيجي العربي الوثيق في المحيط العربي وسعت دواماً للَم شمل الفرقاء السُّودانيين دون التدخُّل في الشأن الداخلي، كونها سياسة ثابتةَ من ثوابت السياسة الخارجية السُّعودية، حرصت على تطبيقها على الدوام.. والمملكة كانت ولاتزال على مسافة واحدة مع جميع السُّودانيين وأيضاً مع جميع مكونات الشعب السُّوداني السياسية والاجتماعية فضلاً عن أن الشعب السوداني يعتبر نفسه هو الأقرب للسُّعودية دُون غيرهِ وجزءاً لا يتجزأ منه.. توجت المملكة جهودها في السودان بمنجزين مهمين إدراكاً منها بضرورة إنهاء المواجهات وتخفيف المعاناة عن الشعب السوداني والناجمة عن القتال في السودان منذ الخامس عشر من أبريل الماضي بتحقيق كامل عمليات الإجلاء الإنسانية لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من جمهورية السودان بواسطة مجموعة من سفن القوات البحرية الملكية السعودية وطائرات القوات الجوية الملكية السعودية. وقدمت لهم كامل الرعاية والمتابعة طوال عمليات الإجلاء وبعد وصولهم إلى أراضيها ووجودهم فيها وحتى مغادرتهم لها، فيما نجحت في تحقيق اختراق في مباحثات جدة بين الأطراف السودانية تلبية لمتطلبات الوضع الإنساني الراهن الذي يمر به المدنيون. وأكد الموقعون على اتفاقية جدة وهما، القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، الالتزام الأساسي بموجب القانون الدولي الإنساني لتيسير العمل الإنساني من أجل تلبية احتياجات المدنيين والتأكيد على سيادة السودان والحفاظ على وحدته وسلامة أراضيه وضمان احترام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك الالتزام بالإعلان وتنفيذه على الفور. لقد استشعرت المملكة حجم المأساة التي يعاني منها الشعب السوداني الشقيق، وقدمت مساعدات متنوعة (إغاثية وإنسانية وطبية) بقيمة 100 مليون دولار أمريكي عبر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية هذه المساعدات جاءت انطلاقًا من القيادة للوقوف إلى جانب أبناء الشعب السوداني الشقيق، والتخفيف من آثار الأزمة التي يشهدها السودان امتداداً للدور الإنساني للمملكة بالوقوف مع المتضررين والمحتاجين في جميع أنحاء العالم في مختلف الأزمات والمحن. تولي المملكة السودان اهتماماً خاصاً، وبلغ مجموع ما قدمته المملكة للسودان من مساعدات نحو مليار و684 مليون دولار، وذلك دعماً ل162 مشروعاً في قطاعات الصحة والتعليم والأمن الغذائي وغيرها من القطاعات المختلفة، ويعد الصندوق السعودي للتنمية أعلى الجهات السعودية المانحة للسودان. وبالعودة للعلاقات التاريخية مع الشعب السوداني الشقيق، فهي علاقات قديمة وأصيلة، شهدت تطوراً منذ سبعينات القرن الماضي، بإسهام أعداد كبيرة من النخب السودانية في عمليات البناء والنماء والتطور التي شهدتها المملكة. وشهدت العلاقات السياسية بين البلدين تطوراً مستمراً منذ استقلال السودان في العام 1956، وإنشاء أول تمثيل دبلوماسي بين البلدين، فضلاً عن التواصل القائم بين البلدين عبر البحر الأحمر. المملكة كانت خلال السّنوات الأربع الأخيرة، مهمومة ومُهتمة بأمن واستقرار السُّودان، وذلك لأسبابٍ عدة، لعلّ من أهمها أواصر المحَبّة بين الشعبين الشقيقين، التي تمتد في جُذور التّاريخ، أيضاً المصالح والقضايا والمصير المشتركً، وأهمية تعظيم أمن واستقرار الممرات المائية خصوصًا البحر الأحمر كأهم ممر مائي في العالم وكرابط وهمزة وصل بين البلدين. وما يزيد التنسيق السعودي - السوداني أهمية، ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من تطورات حاسمة، وهو ما تحدث بشأنه الباحث السعودي في الشأن الاستراتيجي والأمني.. وجاءت تاكيدات الأطراف الموقعة على الحفاظ على مصالح وسلامة الشعب السوداني وحماية المدنيين في جميع الأوقات، ويشمل ذلك السماح بمرور آمن للمدنيين لمغادرة مناطق الأعمال العدائية الفعلية على أساس طوعي في الاتجاه الذي يختارونه. وجدّدت المملكة تأكيد دعمها السودان والوقوف بجانبه في كل المواقف والأوقات، وتعهدت باستمرار مساعيها الداعمة له حتى يتجاوز «الظروف الاستثنائية» التي يعيشها خصوصاً أن العلاقات بين المملكة والسودان اتسمت بالخصوصية والشراكة بالتطور والنمو في شتى المجالات، وتربط البلدين علاقات تاريخية مميزة، تقوم على أساس التعاون والمصير المشترك وتبادل المصالح واستقرار وأمن البلدين، واستثمار الإمكانات والمقدرات الكبيرة البشرية والمادية لهما.. بذلت المملكة -ولا تزال- جهوداً كبيرة، حيث أسهمت بفاعلية في التوصل لاتفاق الشراكة الموقع بين الأطراف السودانية، ودعمت الجهود التي بذلها الاتحاد الإفريقي والأطراف الإقليمية الأخرى للتوصل إلى ذلك الاتفاق. كما سعت لدعم الحكومة لإنجاح الفترة الانتقالية، وبذلت جهودًا لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بصورة نهائية، وتحركت كذلك للضغط على دائني السودان للتوصل إلى اتفاق واسع لخفض ديونه البالغة 50 مليار دولار، وذلك بهدف إعادة السودان إلى مكانه الطبيعي بين دول العالم. إن استقرار السودان يعني استقرار المملكة، التي تقف مع أشقائها في كل مكان، كما تقف إلى جانب السودان بجميع ما تملك من تأثير وعناصر قوة اقتصادية وسياسية وجهود دبلوماسية، لما للسعودية من دور كبير في توسيع دائرة السلام الشامل في الشرق الأوسط.. المملكة تعتبر.. الوسيط النزيه.. والشريك الموثوق، وعلاقة الرياض بالخرطوم في مسار المصير المشترك.