عندما كان الراديو سيد الأوقات النهارية أو رفيق السهارى بعد منتصف الليل، بعد أن يتوقف البث التلفزيوني كان الناس يتعرفون على الفنون في الدول المجاورة من خلال البرامج المتنوعة أو الأغاني الجميلة ذات الكلمات البسيطة والدلالات العميقة، ولمثل هذا النوع من الأغاني حظوة غريبة لدى المستمع المتذوق لأن الألحان تعطيها تلك الخاصية الجميلة فتبقى في الذاكرة. كنت أقود سيارتي -وهذه هي الأوقات التي نعود فيها للراديو عادة- وكانت إذاعة البحرين تبث لقاء إذاعياً مع الملحن البحريني د. مبارك نجم فأعادني ذلك اللقاء لزمن الطفولة والمراهقة الذي استمتعنا فيه بالتعرف على الأغاني البحرينية المميزة، وقد كنا نحن سكان المنطقة الشرقية قد حظينا بالمشاهدة والاستماع لبث التلفزيون والراديو لدول الخليج ومنها البحرين جارتنا القريبة فعرفنا إبراهيم حبيب، وأحمد الجميري، ومحمد علي عبدالله، ومحمد حسن، وخالد الشيخ، قبل غيرنا وكانت أغانيهم رفيقتنا في المنزل والسيارة وخاصة أثناء الذهاب إلى شاطئ البحر (نصف القمر) كل يوم جمعة أو أثناء أداء مهام تنظيف المنزل. تلك الأغنيات لها نكهتها الخاصة التي تجعلها مميزة بين الدول الأخرى ربما بسبب اللهجة أو بسبب طبيعة الشخصية البحرينية التي تتسم بالهدوء والطيبة أو بساطة التعبيرات التي تشعرك بالقرب. ولا شك أن البحرين غنية بمواهب مبدعة في هذا الجانب الغنائي سواء من الملحنين أو المطربين الذين قدموا كثيراً من الجمال سواء في الأغاني العاطفية أو الوطنية التي لا تختلف كثيراً عن سابقتها، فالبحريني يغني لوطنه كما لو كانت حبيبته فأغنية مثل (تبين عيني) لاقت نجاحاً عند البحريني وغيره: تبين عيني لج عيوني أنا وكل ما أملك فدا أرضج يا شوق إللي إذا أبعد يناديني تبين عيني لج عيوني أنا وكل ما أملك فدا أرضج يا شوق إللي إذا أبعد يناديني يقول أنت عزيز الراس وأهلك من أعز الناس يقول أنت عزيز الراس وأهلك من أعز الناس وكم أحببنا تلك الأغاني الشعبية الموروثة التي ينشدها البحريني في المناسبات الاجتماعية المختلفة والتي قدمت من خلال مسلسلات مميزة مثل (فرجان لول) و(حزاوي الدار)، أذكر أن هذه المسلسلات أحبها الصغار والكبار لما فيها من جمال متنوع. أحببنا محمد علي عبدالله وهو يردد: عنوا على البال عصرية وداني الشوق أراضيهم وشلون عنّوا عليه وأنا اللي حالف ما أراضيهم وقفت بالدار وأنا ولهان بالصوت ناديت خلاني لا الدار ردّت .. ولا الخلان ما احد على بابهم جاني أو أغنيته المشهورة الأخرى (كم سنه وشهور) أو (شقد أنا ولهان).. وأحببنا الجميري في: خضر نشلج على عودج تزينينه ولا يزينج واحب الورد هالدايم ربيع أحمر على خدودج وأحب السحر هالفتان ينبع نور من عيونج وأحب الحنه لين انبان ويبرق فوق ظفر ريلج كم كانت بساطتها جاذبة لآذان وقلوب مستمعيها ولهذا بقيت حتى اليوم في الذاكرة حتى وإن لم نستمع إليها كما في السابق. خرجت من لقاء د. مبارك بأنه أدخل للمكتبة الموسيقية عملا أوركستراليا رائعا لتلك المعزوفات القديمة الجميلة وهو عمل يستحق الاستماع فعلاً لمن عرف ومن لم يعرف أصول تلك الألحان الجميلة فكيف بمن ارتبطت معه بذكريات عائلية واجتماعية جميلة، وخرجت أيضاً بسؤال لا أدري إذا كانت إجابته ستكون مترتبة على تقصيرنا أو لأسباب أخرى، والسؤال: أين المطرب البحريني الجديد اليوم؟ أكاد لا أعرف منهم أحداً إذا استبعدت كل القدماء الأحياء منهم والأموات.