تغيرت آلية صناعة السياسات في المنطقة جذرياً بتغير مسارات الأزمات الصراعات وسياسة تصفير مشكلات المنطقة والتي تمخضت عن متغيرات جيو-ستراتيجية عبر انتهاج السعودية سياسة الاعتدال والحصافة وتحويل مسار الأزمات إلى حلول مكنتها من قيادة المرحلة بحكم مكانتها ووزنها سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي. وقدمت السعودية أنموذجاً عملياً في معالجة ملف الأزمة السودانية من خلال عدة مراحل تتعلق بالأمن القومي العربي بشكل جوهري عبر محور التهدئة ووقف إطلاق نار مؤقت وإجلاء السودانيين وحث الأطراف بتغليب الحكمة ومن ثم الاستضافة للأطراف المعنية لحل الأزمة في جدة ثم توجت ذلك باستشعار خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين للأوضاع الراهنة والأزمة الإنسانية التي يمر بها الشعب السوداني وصدور التوجيه الكريم بتقديم مساعدات متنوعة (إغاثية وإنسانية وطبية) بقيمة 100 مليون دولار أمريكي عبر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية. المملكة التي اتخذت هذا القرار الإنساني كونها الملاذ الآمن لشقيقاتها من الدول العربية والإسلامية، وستظل أياديها البيضاء تنطق بالحق في كل بقعة ارتوت من فزعتها ووقفتها، وهو ما لا يمكن لأحد أن ينكره إلا أن يكون جاحداً أو لا يرى، ومن هنا فإنه يمكن القول بكل ثقة واقتدار إن المملكة نجحت بامتياز في تحصين البيت العربي وجعله عصياً على الاختراق. وجاءت المساعدات المقدمة من المملكة عبر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، انطلاقًا من حرص خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده على الوقوف إلى جانب أبناء الشعب السوداني الشقيق، والتخفيف من آثار الأزمة التي تشهدها السودان، وتنظيم حملة شعبية عبر منصة "ساهم" لتخفيف آثار الأوضاع التي يمر بها الشعب السوداني حاليا. الدول العربية اليوم بعد تصفير الأزمات تحتاج بقوة إلى تحصين عمق هويتها العربية الواحدة وتكون أكثر، استقراراً اقتصادياً وسياسياً ومجتمعياً؛ فلا تنمية بلا سلام ولا سلام بلا أمن واستقرار وتحصين ضد التهديدات الخارجية والداخلية الأمر الذي أدى للخروج من دائرة الأفكار التقليدية النمطية والدخول في منطلقات استراتيجية واستحداث مفاهيم جديدة، بما تتطلبه المرحلة الحاضرة والمستقبلية، لتعزيز الأمن القومي العربي والاستثماري والنفطي والاقتصادي والغذائي والمائي وتأصيل القيم والمبادئ للكيانات السياسيات العربية، بعيداً عن الأيديولوجيات والأفكار الدخيلة والهدامة التي أصابت بعض أجزاء الوطن العربي. ولقد شهدت المنطقة في الآونة الأخيرة نموًا لافتًا في سياسة "تصفير المشكلات"، الأمر الذي أسفر عن تسوية الخلافات العربية العربية ونستطيع القول إن "تصفير المشكلات" الذي بات العنوان الأبرز في السياسات الخارجية لدول الإقليم، بهدف التركيز على قضايا البناء والتنمية والازدهار لشعوبها كافة. كما أن الأجواء الإيجابية ستزيد فرص تسوية النزاعات المشتعلة في المنطقة وستفتح بلا شك الباب على مصراعيه للحوار لتسوية العديد من الأزمات المشتعلة في المنطقة، وفي مقدمتها الأزمة اليمنية، والأزمة اللبنانية والوضع في العراق. كما سيدفع الحراك السعودي إلى تشجيع الدول الأخرى في الإقليم، تطبيقًا لنظرية الدومينو، إلى الجلوس معًا لحل النزاعات المشتعلة الأخرى واستعادة الأمن والاستقرار في هذه البلدان، ومن ثم التركيز على جهود إعادة الإعمار وإعادة تأهيل البنية الأساسية، إلى جانب زيادة فرص التعاون الاقتصادي والتجاري بما يحقق التنمية والازدهار لشعوب المنطقة ككل. إن تسوية النزاعات والخلافات في المنطقة عمومًا، من شأنه أن يساعد على تحقيق التنمية المستدامة من خلال ما قد يتيحه من تنشيط حركة التجارة والاستثمارات المشتركة، خاصة في ظل ما يمتلكه البلدان من إمكانات اقتصادية وموارد نفطية كبيرة. وليس هناك شك أن الانفراجات في المنطقة سوف تساعد بلا شك دول الإقليم على تجفيف بؤر الإرهاب، ومحاصرة تمويل الجماعات الإرهابية. ويأتي دعم المملكة وتقديمها المساعدات الإنسانية للسودان امتداداً لجهودها الانسانية في تنفيذ رحلات إجلاء للمواطنين السعوديين ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من جمهورية السودان الشقيقة، والتي كانت أولى عمليات إجلاء بحري نفذت منذُ اندلاع النزاع في جمهورية السودان، وذلك إنفاذاً لتوجيهات مقام خادم الحرمين الشريفين ومقام سمو ولي عهده الأمين تولي المملكة السودان اهتماماً خاصاً، وبلغ مجموع ما قدمته المملكة للسودان من مساعدات نحو مليار و684 مليون دولار، وذلك دعماً ل162 مشروعاً في قطاعات الصحة والتعليم والأمن الغذائي وغيرها من القطاعات المختلفة، ويعد الصندوق السعودي للتنمية أعلى الجهات السعودية المانحة للسودان. إن القيادة السعودية والتأثير عربياً وعالمياً تفرضه عوامل القوة الكامنة والأهمية والمكانة والموقع والتاريخ السياسي ومعرفة مفتاح التوازن والقوة الكامنة السعودبة، إن ماقامت به الدول الكبرى من إسقاط قواعد القانون الدولي ومبادئه وإسقاط قرارات الأممالمتحدة ذات الصلة، للتعامل مع تسوية الصراع والنزاعات والخلافات الدولية، أسس لنظام فوضى دولي، دفعت ثمنها المنطقة حيث تعددت الصراعات والنزاعات القائمة بسبب توازنات القوى الكبرى، والمطلوب منا ونحن في البيت العربي الذي يجب أن نعمل على تحصينه جميعاً، إذ تحصين البيت العربي تحصين للأمن العربي، والتحرك دولياً على كل الصعد، للعمل على تحقيق السلام، بحسب المرجعيات الدولية وفتح آفاق التعاون وسبل تعزيزه وتطويره في مختلف المجالات لشراكة استراتيجية عربية، إلى جانب تنسيق المواقف فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية والعربية والدولية بما يدعم أمن واستقرار المنطقة والعالم، وتعزيز وحدة البيت العربي وضمان لصحة الأمة العربية لما للبيت العربي من دور محوري واستراتيجي في قضايا العالم العربي وأن الخلافات يجب محاصرتها بالحكمة والتواصل وما يجمع بين شعوب هذه المنطقة من علاقات الدم والأواصر الاجتماعية والثقافية وأن هذه الكتلة البشرية تتميز بوجود عوامل وحدة لا تتوافر لأي كتلة في العالم كون أهمية الحوار ووضع كل القضايا الخلافية على طاولة واحدة والنظر على مصالح كل دولة في اختياراتها السياسية وارتباطها بمصالحها مع الاتفاق على خيوط سياسية واضحة في التعامل مع الأزمات الطارئة.