أعلنت سفارة سنغافورة عن إعفاء السعوديين من تأشيرة الدخول إلى أراضيها لتنظم بذلك لدول آسيان ولعلنا أن نستقرأ العلاقات الدبلوماسية بين البلدين التي بدأت عام 1964 ميلادية، على الرغم من أن البعثات الدبلوماسية الرسمية لم تُنشأ إلا في أواخر السبعينات، فتأسست العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين البلدين في عام 1977، فيما افتُتِحت السفارة السنغافورية في المملكة عام 1985. فخلال حقبة السبعينات، توجهت سنغافورة لعملية التصنيع وتطوير القطاع الصناعي، حيث أدى تزايد الطلب على الطاقة التي كانت حافزا لتسريع العلاقات السعودية السنغافورية، وانعكس ذلك على حجم التجارة المتبادلة بين البلدين. الطفرة الكبرى لارتفاع مستوى العلاقات بين البلدين كانت في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بسلسلة من الزيارات رفيعة المستوى بدأت برحلة الوزير السنغافوري الأكبر جوه تشوك تونج إلى المملكة في عام 2005 ضمن جولته للشرق الأوسط. وخلال الزيارة، تم التوقيع على اتفاقية عامة للتعاون، مما يمهد الطريق لتوثيق التعاون الاقتصادي بينهما. ولي العهد في سنغافورة أعقبها زيارة ولي العهد آنذاك الأمير سلطان بن عبدالعزيز إلى سنغافورة في عام 2006 - والتي تعد الزيارة الأولى رفيعة المستوى بدعوة من رئيس الوزراء السنغافوري لي هسين لونج، وخلال هذه الزيارة صدر بيان مشترك يعبر عن دعم اتفاقية التجارة الحرة بين أعضاء دول مجلس التعاون الخليجي وسنغافورة، وكذلك تأكيد الآراء المشتركة حول عدد من القضايا الدولية الرئيسة، كما تم توقيع أربعة اتفاقيات ثنائية، بما في ذلك تعزيز التعاون التجاري، حماية وتشجيع الاستثمار، تعزيز التشاور السياسي بين وزارات الخارجية، وأخيرًا مذكرة تفاهم أبرمت بين اتحاد الأعمال السنغافوري ومجلس الغرف التجارية والصناعية السعودية لإنشاء مجلس الأعمال المشترك، مجلس الأعمال السعودي السنغافوري (SSBC). ومنذ ذلك الحين، برز مجلس الأعمال السعودي السنغافوري كمحرك رئيس وعلامة توثيق للعلاقات الاقتصادية، وتمت حينها أصدار تأشيرات دخول لمدة خمس سنوات لرجال الأعمال السعوديين والدفع باتجاه المزيد من الرحلات المباشرة بين البلدين في عام 2008، وقعت الخطوط الجوية السعودية والخطوط الجوية السنغافورية مذكرة تفاهم لهذا الغرض وذلك لتعزيز وتسهيل العلاقات الاستثمارية بين البلدين. وتشير الإحصائيات إلى أن صادرات السعودية إلى سنغافورة بلغت في عام 2021 نحو 6 مليارات دولار، من منتجات غالبها النفط الخام، بينما بلغت صادرات سنغافورة إلى السعودية 995 مليون دولار أميركي. إذ تعد المملكة أكبر شريك تجاري لسنغافورة في منطقة الشرق الأوسط. وبحسب تقديرات ترجع إلى عام 2011، وصل عدد السياح السعوديين إلى سنغافورة 17 ألف زائر مع توافد الكثيرين للسياحة الطبية، فيما تبلغ حصة الحجاج السنغافوريين العام الجاري 900 حاج، وهي الحصة التي أصبحت مقررة لسنغافورة منذ 2017، وكانت حصة سنغافورة حتى 2017 هي 800 حاج. وتبلغ نسبة المسلمين في سنغافورة نحو 15 % من سكان سنغافورة البالغ عددهم 5.5 ملايين نسمة. معاً ضد الإرهاب تحاول سنغافورة الحد من التطرف والإرهاب من خلال التعاون المشترك وسن قوانين ومناهج تعليمية تسعى إلى التمازج الثقافي والانصهار في المجتمع المتعدد الأعراق وفي عام 2018، قام وزير الداخلية ووزير القانون السنغافوري ك. شانموغام بزيارة المملكة العربية السعودية العام الماضي كجزء من رحلة رسمية إلى الشرق الأوسط، وأكد خلال الزيارة أن سنغافورة والمملكة العربية السعودية لديهما مخاوف مشتركة بشأن تهديد الإرهاب وتظلان ملتزمتين بمكافحته، وكان الغرض من زيارته هو إعادة التأكيد على العلاقات القوية بين وزارة الداخلية ووزارة الداخلية في المملكة العربية السعودية ولكي تعمل الوزارتان من أجل تعاون أمني أقوى. كما أن اهتمام البلدين بمستقبل الأرض والبيئة ففي عام 2019، توجهت رئيسة سنغافورة، حليمة يعقوب، في زيارة للمملكة العربية السعودية، وخلالها تم التوقيع على عدد من الاتفاقيات منها اتفاقية وزارة البيئة والموارد المائية ووزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية، ومذكرة تفاهم بشأن حماية البيئة وإدارة الموارد المائية. وتعزيز المصلحة المشتركة لكلا البلدين لمعالجة ندرة المياه وزيادة المرونة البيئية، وتمهد الطريق لمزيد من التعاون في مجالات تشمل إدارة جودة المياه ومعالجة النفايات الصلبة ومكافحة تلوث الهواء. الرؤية حاضرة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل فرحان آل سعود الذي زار سنغافورة مطلع العام الماضي بدعوة من وزير الشؤون الخارجية السنغافوري، فيفيان بالاكريشنان، أعقبها زيارة الرئيسة حليمة يعقوب ورئيس الوزراء لي هسين لونج. وذلك بالتزامن مع الذكرى السنوية الخامسة والأربعين للعلاقات الدبلوماسية بين سنغافورةوالرياض. فخلال الزيارة، اتفق البلدان على المشاركة الثنائية، من خلال اللجنة السعودية السنغافورية المشتركة، والتي توفر منصة مفيدة لتعزيز التعاون الاقتصادي لدعم رؤية المملكة العربية السعودية 2030. وزير الدفاع السنغافوري، نج إنج هين، كان ضمن المشاركين في معرض الدفاع العالمي الافتتاحي في المملكة. وأكد من الرياض على أهمية التعددية وضرورة أن تعمل جميع البلدان معًا لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة. كما أكد وزير الخارجية السنغافوري، فيفيان بالاكريشنان، من الرياض أيضا والذي زارها أواخر العام الماضي بعد لقائه بعدد من الوزراء في المملكة من بينهم وزير الخارجية السعودي ووزير النقل والخدمات اللوجستية والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي. على أهمية التعاون في مجالات الطاقة المتجددة والاقتصاد الأخضر والخدمات اللوجستية. مذكرات بالجملة في نوفمبر عام 2022، وقعت سنغافورة والمملكة على مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مستقبل التنقل والابتكار واتفاقية لتحديث اتفاقية الخدمات الجوية الثنائية (ASA). بموجب مذكرة التفاهم، ستعمل سنغافورة والمملكة تعملان لدعم تبني ونشر أحدث تقنيات النقل. سيتبادل البلدان المعلومات والخبرات في مجالات مثل سيارات الطاقة النظيفة والمركبات ذاتية القيادة. وتسمح الاتفاقية الأخيرة لشركات النقل الجوي من كلا البلدين بالعمل إلى أربع نقاط وسيطة إضافية وما بعدها لخدمات الركاب والبضائع التي وستحفز مذكرة التفاهم تبادل الأفكار وأفضل الممارسات في مجال التنقل والابتكار، بينما ستعمل اتفاقية الخدمات الجوية الثنائية التي تمت ترقيتها على تحسين الاتصال الجوي بين سنغافورة والمملكة العربية السعودية مما يوفر لشركات الطيران لدى البلدين فرصًا أكبر في السوق. كما مذكرة التفاهم التي وقعت في فبراير العام الجاري، بين بورصة سنغافورة مع مجموعة التداول السعودية على مذكرة تفاهم تسمح بتسهيل توظيف المستثمرين السعوديين لرؤوس الأموال داخل سنغافورة سيعزز من الاستثمار في مجال الشركات الكبيرة والمتوسطة المدرجة في سوق الأسهم والسندات بين البلدين . الرياضة كانت حاضرة في العلاقات الثنائية فقد وقع الاتحاد السعودي لكرة القدم على مذكرة تفاهم مع نظيره السنغافوري لتشكيل شراكة وتعاون بينهما، ويهدف إلى تحسين تطوير الرياضة في كلا البلدين خلال العامين المقبلين في خمسة مجالات هي المنتخبات الوطنية للشباب، كرة القدم النسائية، التبادلات الفنية والمهنية، الحكام والتكنولوجيا. ولعل إعلان إعفاء التأشيرة للسعودين سيعزز بالفعل من ارتفاع عدد السياح السعوديين في الجزيرة الصغيرة ويعزز من الحركة الاقتصادية لتكون الرياض بوابة الشرق الأوسط للبلد الآسيوي المتطور والذي يسعى من خلال تحالفاته مع جيرانه لبسط موضع قدم له في المنطقة خصوصا في المجال الصناعي والتكنلوجي. *كاتب وباحث في الشؤون الآسيوية