قال مبعوث الأممالمتحدة إلى السودان لرويترز أمس السبت: إن الطرفين المتحاربين في البلاد منفتحان بشكل أكبر على المفاوضات وأقرا بأن الصراع الذي اندلع منذ أسبوعين لا يمكن أن يستمر. ويمثل هذا بصيص أمل حتى في ظل تواصل القتال. وقال المبعوث فولكر بيرتس: إن الطرفين رشحا ممثلين عنهما للمحادثات التي اقتُرحت إقامتها إما في جدة أو في جوبابجنوب السودان، لكنه استطرد قائلاً: إن ثمة سؤالاً عملياً حول إذا ما كان بوسعهما الذهاب إلى أي من المكانين "للجلوس معاً فعلياً". وأضاف أنه لم يُحدد جدول زمني لإجراء محادثات. وبدت احتمالات إجراء مفاوضات بين زعيمي الطرفين واهية حتى الآن. وأمس الأول الجمعة، قال قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في مقابلة: إنه لن يجلس أبداً مع قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو ووصفه بأنه "زعيم التمرد". وقال دقلو، المعروف باسم حمديتي: إنه لن يجري محادثات إلا بعد أن يوقف الجيش القتال. وأشار بيرتس إلى أنه قال لمجلس الأمن: إن كلاً من الطرفين كان يعتقد أن بوسعه الانتصار في الصراع، وذلك خلال أحدث إفادة منذ يومين، لكنه قال أيضاً: إن المواقف تتغير. وأضاف: "يعتقد كلاهما أنه سينتصر، لكن كليهما أكثر انفتاحاً نوعاً ما على المفاوضات. لم تكن كلمة 'مفاوضات' أو 'محادثات' حاضرة في خطابيهما خلال الأسبوع الأول أو نحو ذلك". وذكر بيرتس أنه في ظل إلقاء الطرفين بيانات تقول إن الطرف الآخر عليه "الاستسلام أو الموت"، يقولان أيضاً "حسناً، إننا نتقبل... شكلاً ما من المحادثات". وتابع: "أقر كلاهما بأن هذه الحرب لا يمكن أن تستمر". الجيش: مؤامرة خارجية إلى ذلك أعلنت القوات المسلحة السودانية أمس السبت أن قواتها تعمل طبقاً لما هو مخطط لها وتؤدي مهامها بثبات وثقة، مشيرة إلى أن التآمر كان كبيراً وخططت له جهات في الداخل والخارج، لكن تكسرت حلقاته تحت وطأة صمود وثبات رجال القوات المسلحة. وقال مكتب الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة، في منشور أورده عبر حسابه بموقع "فيسبوك" أمس: "ما جرى إحباطه خلال الأسبوعين الماضيين، كان محاولة فاشلة للاستيلاء على الحكم بقوة المتمردين وغطاء سياسي كامل، وهو في الحقيقة كان مشروعاً لاختطاف الدولة السودانية بكل تاريخها لصالح مشروع حكم ذاتي لشخص واحد". وأضاف أن "هذه معركة ليس فيها أي مجال للحياد الزائف وستنجلي قريباً بالنصر لصالح بقاء الدولة السودانية ومؤسساتها الراسخة وانتهاء مشروع اختطاف بلادنا للأبد". ولفت إلى العمل على تهيئة الظروف المناسبة لتتمكن الشرطة وبقية أجهزة الدولة من استئناف عملها وعودة الحياة لطبيعتها بأسرع وقت ممكن، موضحاً أن "المعركة وحدت الشعب وقواته المسلحة وزادت من حرص أبناء الشعب السوداني على أهمية بقاء قواته المسلحة". وأشار إلى "فشل كل محاولات المتمردين وأعوانهم من عملاء الداخل والخارج في التسويق لمشروعهم القائم على خداع الناس وتزييف الحقائق وشراء الذمم"، مؤكداً اكتمال حلقات النصر قريباً، و"لحظة حساب كل مخذل ومرجف باع قضية الوطن مقابل التكسب الرخيص وسيلفظهم الشعب، لأنهم ساندوا من قتلوا أبناءه واستباحوا ممتلكاته وخربوا مؤسساته". وقال: إن "كل المناورات التي جرت خلال الشهور الماضية كان هدفها تدمير الكتلة الصلبة للبلاد المتمثلة في جيش البلاد ومنظومتها الأمنية لتحل مكانها الميليشيا المتمردة، التي أظهرت أسوأ ما يمكن تصوره من سلوك طابعه عدم التورع عن استباحة مؤسسات البلاد وتخريبها ونهب كل ما يقع تحت أيديهم بلا وازع أو ضمير". وأشار إلى أنه قريباً جداً ستحتفل الخرطوم بيوم النصر وتسدل الستار على انتهاء فصول أسوأ حقبة عاشتها البلاد، مجدداً نداءات القيادة العامة للمتمردين بأن "يتوقفوا عن المشاركة في مشروع تخريب البلاد ومحرقة الحرب والمسارعة للتبليغ لأقرب منطقة عسكرية والانضمام لصفوف القوات المسلحة". الأسبوع الثالث من المواجهات ميدانياً تعرضت طائرات كانت تقوم بغارات فوق الخرطوم السبت لنيران كثيفة فيما تدخل المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع أسبوعها الثالث على الرغم من هدنة جديدة وجهود دولية في محاولة لوقف القتال. ورغم موافقة الطرفين الخميس على تمديد الهدنة لثلاثة أيام أخرى بوساطة الولاياتالمتحدة والسعودية والاتحاد الإفريقي والأممالمتحدة، إلا أن أعمال العنف مستمرة في العاصمة ومناطق أخرى وخصوصاً دارفور. ويتبادل الطرفان الاتهامات بالمسؤولية عن انتهاك الهدنة. ويعاني السكان، الذين يحاولون الفرار أو يعيشون خلف جدران منازلهم المغلقة، من أزمات شاملة مع انقطاع المياه والكهرباء ونقص الغذاء. وقال أحد سكان جنوبالخرطوم لوكالة فرانس برس: "استيقظنا من جديد على أصوات الطائرات الحربية ومضادات الطائرات في كل الحي". الجمعة تبادل الجنرالان المتصارعان الاتهامات عبر وسائل الإعلام. على شاشة قناة الحرب الأميركية، وصف البرهان قوات الدعم السريع ب"الميليشيا التي تسعى إلى تدمير السودان" وأكد أن "مرتزقة" يأتون من تشاد وإفريقيا الوسطى والنيجر. دقلو تحدث من جهته عبر ال بي بي سي عن خصمه واصفاً إياه ب"الخائن" ومعتبراً أنه "ليس جديراً بالثقة". على الصعيد الدبلوماسي تحاول عدة دول إيجاد حل للنزاع ولكن بلا جدوى. وأرجئت زيارة موفد البرهان إلى القاهرة إلى أجل غير مسمى. أوقعت الحرب التي فاجأت السودانيين في أحد الأيام العشرة الأخيرة لشهر رمضان، أوقعت على الأقل 512 قتيلاً و4193 جريحاً، وفق الأرقام الرسمية لكن يرجح أن تكون الحصيلة أكبر من ذلك. ونزح حوالي 75 ألف شخص إلى الدول المجاورة -مصر، إثيوبيا، تشادوجنوب السودان- بسبب المعارك، وفق مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية فيما نظمت الدول الأجنبية عمليات إجلاء واسعة لرعاياها. ويتوقع برنامج الأغذية العالمي أن يواجه ملايين الأشخاص الإضافيين الجوع في أحد أفقر بلدان العالم حيث كان قرابة ثلث السودانيين البالغ عددهم 45 مليوناً يحتاجون مساعدات غذائية قبل اندلاع الحرب. في غرب دارفور، قتل 96 شخصاً على الأقل منذ الاثنين في مدينة الجنينة، بحسب المفوضية العليا للأمم المتحدة لحقوق الإنسان التي وصفت الوضع بأنه "خطير". وتتزايد أعمال النهب والتدمير وإشعال الحرائق بما في ذلك داخل مخيمات النازحين، بحسب منظمة أطباء بلا حدود التي اضطرت إلى "وقف كل أعمالها تقريباً في غرب دارفور" بسبب العنف، بحسب ما قال نائب مدير المنظمة في السودان سيلفان بيرون. وحذر بيرون في بيان من أن منظمته "قلقة جداً من تأثير أعمال العنف تلك على الأشخاص الذين سبق أن عانوا موجات من العنف". "مأساة إنسانية" تطلبت عملية الإجلاء من السودان، في ظل الحرب مشاركة العديد من الجنود الألمان في المهمة. وقال الليفتنانت كونستانتين برابشه، الذي كان مسؤولاً مع الشرطة العسكرية الألمانية عن بوابات الأمن في المطار القريب من العاصمة السودانية الخرطوم، بعد عودته إلى ألمانيا مساء الجمعة: إنه كان على القوات العمل بطريقة معقدة للغاية، وسريعة، في ظل ظروف مرتجلة وحرارة مرتفعة. وذكر برابشه أن الاندفاع إلى الطائرات كان هائلاً في البداية، وقال: "بالطبع كانت الأزمة كبيرة في اليوم الأول"، موضحاً في المقابل أنه مع مرور الوقت أصبح الوضع أكثر قابلية للإدارة، بحيث أصبح الجيش الألماني قادراً على "التحكم في تدفق الفارين إلى حد ما". وأشار برابشه إلى أن الإجراءات تمثلت في فحص جوازات سفر من أرادوا الخروج من السودان وتفتيشهم. كما لفت إلى أنه كان هناك ترتيب واضح لمن يجب نقله جواً أولاً خارج البلاد، وقال: "لدينا قائمة أولويات: الألمان أولاً، ثم [مواطنو] الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي"، موضحاً أن هذا أدى إلى الاضطرار لرفض نقل أفراد. وأوضح: "بالطبع، شكل الوضع في معظمه مأساة إنسانية. كان علينا دائماً أن نضع جيراننا في الاعتبار. بالطبع هذا مرير بالنسبة للأفراد، لكننا نعلم أيضاً أنه وراء كل شخص مرفوض عشرة مستحقين". وإجمالاً نقل الجيش الألماني أكثر من 700 شخص من أكثر من 40 دولة خارج السودان. وأكد برابشه /40 عاماً/ أنهم حاولوا إيجاد طائرات تابعة لدول أخرى للأشخاص الذين لم يتمكنوا من ركوب الطائرات الألمانية. ولم يدرك الليفتنانت خطورة الوضع في السودان إلا على نحو محدود، حيث قال: "لاحظنا القليل نسبياً لأننا لم نكن قريبين للغاية من العاصمة.. سمعت ضوضاء مكتومة، لكن هذا لم يكن من شأنه أن يعيق عملنا اليومي".