شهدت مناطق في الخرطوم الخميس قصفا من طائرات مقاتلة ومحاولات للتصدي لها على الرغم من التوصل إلى اتفاق لوقف القتال الذي اندلع بين طرفي النزاع منذ نحو أسبوعين، فيما يحتدم القتال في إقليم دارفور المضطرب بغرب السودان. وفي وقت متأخر من ليل الأربعاء، وافق الجيش السوداني مبدئيا على مبادرة للمنظمة الحكومية للتنمية بشرق إفريقيا (إيغاد) بتكليف رؤساء جنوب السودان وكينيا وجيبوتي بالعمل على حل الأزمة الحالية. وبحسب بيان للجيش السوداني فقد شملت المبادرة "تمديد الهدنة الحالية إلى 72 ساعة إضافية" و"إيفاد ممثل عن القوات المسلحة وآخر عن الميليشيا المتمردة إلى جوبا بغرض التفاوض". من جهتها لم ترد بعد قوات الدعم السريع على مقترح تكتل شرق إفريقيا. وأفاد شهود عيان بأن الاشتباكات استمرت خلال الأيام الماضية على الرغم من هدنة بوساطة أميركية تم الاتفاق عليها الثلاثاء. ولا تزال الطائرات الحربية تحلق في سماء العاصمة وينخرط المقاتلون من الجانبين في قتال عنيف بالبنادق الآلية والأسلحة الثقيلة. وأسفرت المعارك حتى الآن عن مقتل 512 شخصًا على الأقل وجرح الآلاف، بحسب بيان لوزارة الصحة الاتحادية في السودان، ولكن قد يكون عدد الضحايا أكثر من ذلك نتيجة القتال المستمر. وأوضحت نقابة الأطباء السودانية على صفحتها على موقع فيسبوك في بيان الخميس أن الخرطوم وحدها شهدت الاربعاء سقوط ثمانية من هؤلاء القتلى على الأقل خلال اتفاق وقف إطلاق النار. كذلك أكدت نقابة الأطباء السودانية تعرض 14 مستشفى للقصف وتوقف 19 منشأة طبية عن العمل بسبب الاشتباكات. عنف خارج الخرطوم خارج الخرطوم، تصاعد العنف في أجزاء أخرى من السودان بما في ذلك إقليم دارفور المضطرب غرب البلاد. والخميس أفاد شهود عيان في الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور بوقوع "اشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع لليوم الثاني على التوالي بمختلف أنواع الأسلحة". وفر مواطنو الجنينة باتجاه الحدود السودانية التشادية لتجنب العنف، على ما أضاف الشهود. وانتشرت أعمال نهب وحرق للمنازل في الجنينة، بحسب بيان الأربعاء للأمم المتحدة التي قالت إن "نحو 50 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد بعد تعطل دعم الغذاء بسبب القتال". وفي طريقه إلى الحدود مع مصر المجاورة دعا أشرف وهو سوداني فر من الخرطوم، الضابطين المتناحرين إلى "وقف الحرب". وقال الرجل البالغ من العمر 50 عاما لفرانس برس في وسط الصحراء الشمالية إن "السودانيين يعانون ولا يستحقون هذا". وأضاف "إنها حربكم وليست حرب الشعب السوداني". ومع اشتداد حدة القتال في مدن سودانية عدة، يواجه عدد كبير من المحاصرين في البلاد نقصا حادا في الغذاء والماء والكهرباء، فضلا عن انقطاع خدمات الاتصالات بشكل متكرر. وتقدر الأممالمتحدة عدد الفارين بسبب الحرب في السودان إلى دول الجوار مثل جنوب السودان وتشاد بنحو 270 ألف شخص. كما غامر عدد كبير من السودانيين بالخروج من العاصمة في رحلات شاقة وطويلة إلى مصر في الشمال وإثيوبيا في الشرق. وقد تلقت الأممالمتحدة "تقارير تفيد بوصول عشرات الآلاف من الأشخاص إلى إفريقيا الوسطى وتشاد ومصر وإثيوبيا وجنوب السودان". ونظمت الحكومات الأجنبية من جميع أنحاء العالم في الأيام الأخيرة قوافل برية وطائرات وسفن لاجلاء الآلاف من مواطنيها من البلد الذي مزقته المعارك. وفي هذا الإطار، أعلنت السلطات الفرنسية الخميس أن البحرية الفرنسية نقلت قرابة 400 أجنبي من السودان إلى السعودية ، ليرتفع عدد الأشخاص الذين أجلتهم باريس منذ بداية الأزمة إلى أكثر من 900 شخص. وفي لندن، دعا وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي المواطنين البريطانيين الراغبين في مغادرة السودان إلى الرحيل "الآن". وكانت لندن قد أجلت 536 شخصا مساء الأربعاء على متن ست طائرات ، بحسب وزارة الخارجية. وقال كليفرلي إن جهود الإجلاء البريطانية من السودان قد تصبح "مستحيلة" بمجرد انتهاء وقف إطلاق النار. ونقلت وكالة "بي ايه ميديا" البريطانية عن كليفرلي القول إنه لا يوجد ضمانات على تسيير رحلات الإجلاء بعد انتهاء وقف إطلاق النار مساء الخميس. عمليات إجلاء متواصلة وقال قائد الشرطة في ولاية القضارف شرقي السودان، الخميس، إنه جرى إجلاء قرابة 4 آلاف أجنبي عبر معبر القلابات الحدودي إلى إثيوبيا. ونشطت الدول، خاصة الغربية، في إجلاء رعاياها من السودان بالطائرات الحربية وعبر الطرق البرية، لتلافي تأثرهم بالاشتباكات العسكرية المندلعة بين الجيش والدعم السريع منذ 15 أبريل الجاري. وقال مدير شرطة ولاية القضارف اللواء مدثر حسب الرسول، ل بوابة "سودان تربيون" الإخبارية الإلكترونية أمس، إن الشرطة "نجحت في إجلاء 3936 أجنبيا قادما من العاصمة الخرطوم عبر معبر القلابات إلى إثيوبيا". وأشار إلى الأجانب الذين جرى إجلاؤهم من دول الصومال، وتنزانيا، وموزبيق، وكينيا، وجنوب أفريقيا، وأرتيريا، وليبيريا وجيبوتي، إضافة إلى الصين وباكستان ونيوزيلاندا وتركيا ومصر واليونان والبرازيل وبريطانيا والسويد. وبدأت عمليات الإجلاء عبر المعبر الرابط بين السودان وإثيوبيا مطلع هذا الأسبوع. وتحدث القائد الشرطي عن إجلاء 400 سودانيً ، مفيدا بأن عمليات الإجلاء جرت وفق خطة أمنية متفق عليها، شملت تعزيز التواجد العسكري في الطريق القومي والقاري والمعبر الحدودي. وذكر أن إدارة الجوازات والهجرة والجنسية التابعة لقوات الشرطة، تعمل على مدار الساعة في معبر القلابات. ووفق البوابة ، نقلت السفارة الإثيوبية أعمالها من الخرطوم إلى ولاية القضارف، مما ساعد الأجانب على اكتمال إجراءات سفرهم. وتعتزم منظمة أطباء بلا حدود الدولية للإغاثة توسيع نطاق المساعدات التي تقدمها لمواجهة العنف المستمر في السودان. وقالت المنظمة أمس إن فرق الطوارئ مستعدة للسفر إلى الدولة المحاصرة في القرن الإفريقي. وتقول منظمة أطباء بلا حدود إنها على اتصال وثيق بالمستشفيات والسلطات الصحية السودانية.