تم الإعلان وانتهى الترقب وحسم الجدال وخسر فريق وربح الآخر واتفقت جميع الاراء على رؤية هلال شهر شوال معلنين بذلك عن حلول عيد الفطر السعيد، إعلان تشرع له أبواب الفرح والابتهاج والسعادة داخل نفوس المؤمنين. فرحة عظيمة تلت أجواء روحانية لصيام ورجاء ودعاء، رافقها جبر زخات أمطاراً هابطة من السماء بأمر رحمة من الله في العباد. تحررت الأرواح من الهموم التي أثقلتها طيلة العام بصيام هذب النفس، ودعاء لملم شتاتها، وتترقب الآن تحقيق أمنياتها. اكتست الشاشات الإخبارية بالعواجل الحمراء، وتسارعات تنبيهات وسائل التواصل الاجتماعي تناقل إعلان حلول عيد الفطر السعيد، وبدأت تصلك التهاني والتبريكات. لكن ماذا عن حقيقة الفرحة في داخلك، ماذا عن ما تحدث به نفسك؛ حزن على ماضي لا يمكن إعادته، قطيعة ومشاحنات مع الأقارب والأصدقاء، تداول رسائل سلبية تحبط الإنسان وتفقده متعة الشعور بالفرح (العيد ماله طعم، يوم مثل أي يوم، بنام أحسن لي، العيد للصغار، مين الي بقابلهم) وغيره من العبارات السلبية التي تتنافى مع حقيقة المؤمن لأن تعظيم شعائر الله من تقوى القلوب. أجعل لقلبك موعدا جديدا هذا العام، ولتكن بدايته مع عيد الفطر السعيد أكسر قيودك الداخلية وابدأ مع عادات بسيطة ذات أثر عظيم على نفسك ومن حولك. استهل الفرح والبهجة في العيد المبارك مع ذاتك من عدة جوانب، تبضع واشتر ملابس جديدة، وعلى أقل تقدير قطعة واحدة ليرتبط توقيتها بذكرى العيد. اذهب لصلاة العيد وإن لم تكن معتادا على ذلك، جرب شعورا مختلف هذا العام واصطحب أفراد أسرتك من صغار وكبار. منذ لحظة الإعلان حتى سادس يوم استمع وتمتع باهازيج العيد التي تدخل البهجة والسرور. احرص على مشاهدة خطبة العيد من الحرمين الشريفين وتمعن في الحكم والقيم والمواعظ التي تحتويها، وليكن مشاهدتها في مكان نظيف ومرتب، تفوح في أرجائه رائحة العود والعطور، وارتشف من قهوة العيد، وتلذذ بمذاق الحلوى، وتابعها بمظهر أنيق وهندام جديد. كن المبادر في الوصل مع كل من تعرفه وتحرر من الالزامية (أنا أكبر، أنا كل سنة أرسل، أنا مكانتي وأنا وأنا) الأنا التي تسلب السكينة والفرح وتغيب الأثر، كنت أنت صاحب التغيير الإيجابي، تغيير يجلب لك المحبة والتقدير والاحترام ويزيدك قرباً من الله. وفي تبادل التهاني نوع تواصلك مابين رسائل، واتصالات، وزيارات، فالأوراح تتلهف للقاء، وتذكر كم الحزن والدموع التي ذرفنها عند أول عيد مر بنا أثناء جائحة كوفيد- 19، فلنعوض مافات ونحتفل بعيداً يليق بالحاضر، فالرحمن أكرمنا وحفظنا وليكن شكراً بزيادة وصلنا، هذا الوصل ومايرافقها من زيارات لها آداب. آداب العيد تتمثل في ترفعك عن الرد لكل شخص مستفز ومسيء. ابتعادك عن الأحاديث التي تجلب الكدر، والاسئلة الشخصية، والتعليقات التي تتوشح الكوميديا وهي مؤذية وتهز ثقة من أمامك وأن أبدا العكس في لحظتها. تنحّ عن الوقوع بفخ اللوم والعتاب لعدم رؤية أو اتصال من التقيت، واقبل عليه بلطف ولين الكلام. تجنب التعليق على مظهر أو لبس أو مادبة طعام أو تنسيق مكان أو تقديم فكل ماتراه اجتهد من قدمه لك وفقاً لظروفه ويحك من المقارنة والتجريح، واكتفى بالابتسامة والامتنان لكرم التقدير. وتفادَ الإهمال والتسويف في الرد على أي رسالة معايدة تصلك أو اتصال يرن به هاتفك، واخرج من دائرة الاتهامات والنقد اللاذع لطريقة رسالة المعايدة التي تصلك جماعية أو فردية، واكتفى بأن من ارسلها تذكرك بأسلوبه واستبقلها في حب وفرح. ويعلم الكل بأن هذه الفترة من كل عام يتغير جدول النوم والانتظام بعد شهر رمضان المبارك، وهي ميزة في الرد على هذه الرسائل فالجميع سوف يقدر ردك المتأخر ولكن لن يتجاوز بسهولة جفاء اهمالك وتهميشك في عدم الرد. وتذكر بأن في منزلك وخارجه مغتربين من سعوديين ووافدين، تاركين خلفهم مصدر فرحهم وأنت بعد الله أملهم وسبب سعادتهم. ابتسم وهنئ واهدِ من تجده في طريقك بمعايدة لن تكلفك الكثير (عيد سعيد، كل عام وأنت بخير)، وقم بتوزيع حلويات العيد عليهم. وختاماً تذكر بأن الوقوف على الذكريات لن يجدي نفعاً. فهذا الحزن لن يغير واقعك ولن يستعيد من فقدتهم ولن يرضيهم ماتفعله، ولن يرجع ما تفتقده، واصنع لنفسك في هذا العيد حاضراً مبهج، وأوجد الفرح في داخلك وتشاركه مع المحيطين بك فالسعادة معدية، واجعلها ذكرى ممتعة جديدة تدرج في قاموس الماضي لتقوى به نفسك، وكل عام وأنت وميض الفرح ومنار السعادة. *أخصائية نفسية