كنت في الأسبوع الماضي مدعوّ على وجبة إفطار لدى أحد الزملاء، وكان اللقاء يجمعنا به - غير الصداقة - التخصص بالتخطيط العمراني والعمارة، وكما هي العادة باللقاءات التي يكون التوجه والهم واحد يدور النقاش حول تنمية المدن وقضاياها الرئيسة وتفنيد لأغلب العوائق التي تواجهنا كمختصين في هذا المجال، والحقيقة المرة التي اتفقنا عليها هي أن أغلب القيادات العمرانية وأصحاب القرار في ظل الوقت الراهن وتكامل الفرص بين أفراد المجتمع هي أن بعض المشاركين بمراجعة قضايا المدن وحلولها تكون خبرتهم العملية قادمة من بيئة غير عمرانية وبعيدة عن العمل التنموي، وخصوصاً القادمين بعض القطاعات المميزة - أرامكو وسابك والمدن الاقتصادية.. الخ - حقيقة يتم التعامل مع قضايا المدينة كنظام آلي يكون له خط إنتاج واضح ووفق معايير صارمة، ووفق توجه أحادي، ومن الممكن أن اتفق معهم إذا اعتبرنا المدن هي مبان وطرق وخدمات فقط، لكن ما يغيب عنهم أن المدينة كائن حي مثل الإنسان يكون الابتكار والتفكير خارج الصندوق هو ما يجعل قضاياه المعقدة تفك بطرق مبتكرة وليست آلة تعمل على عدة تروس لتشغيلها إذا تعطل ترس تعطلت الآلة عن العمل، وهذه الإشكالية عند تقاطع هذين التحديين يبرز موضوع واحد، وهو أهمية جعل المدن أكثر إنسانية ورعاية شعور قوي بالارتباط، وإلقاء الضوء على ما يجب أن تهتم به المدن أكثر، وهو «الإنسان» وليس الآلة. لذا لكل مدينة طابعها، ولساكنيها خصوصياته، ومزاياه وسلبياته، ولا يمكننا أن أطلب كتالوجا لإدارة وتنمية المدينة كما يعتقد أصحابنا القادمون من خليفات ومعايير إنتاجية أو من دليل إرشادي لا تخرج عن القضية التنموية ويتم التعامل معها وفق قواعد رياضية، كما لا أقصد أبداً المقارنة بين تلك الخلفيات الصارمة وقضايا المدن المتجددة بتجدد تطور الإنسان، لأنها لا تجوز من حيث المبدأ، هم لديهم ما يميزهم، ونحن نملك ما يميزنا، بل ولدينا ما نتفوق فيه عليهم أيضاً ومعرفة وتفكير لوضع حلول خارج الأدلة وخطوط الإنتاج للتنمية مدننا، لأن المتخصص هو من يعود بفكر التنمية والتخطيط العمرانيين إلى المعنى الأصيل وراء التنمية العمرانية وهو تحقيق الاستدامة الإنسانية. نعم الإنسان هو الأصل الذى يحتاج أن تستديم إنسانيته وأن نسعى للحفاظ عليها وتعميق دورها في بيئة عمرانية يوضع لها ضوابط التعامل معها وليس خط مستقيم لا تحيد عنه، لكننا حقيقة نحتاج إلى زرع ثقافة الابتكار لتنمية المدن وعادة الابتكار يأتي مع تنوع وتعدد التحديات التي تكون خارجه عن المألوف، باعتبار مدننا كائناً حياً، وبالتأكيد المسألة ليست سهلة مع التنوع السكاني الكبير لدى قاطني مدننا، لكن الأمر هنا يحتاج إلى زرع هذه الثقافة أولاً عند المسؤولين عن تخطيط المدن، وعند أصحاب القرار في قطاعات المتعلقة بتنمية المدن، لجعل مدن المملكة نابضة بالحياة.. ودمتم بود.