سعدت بأن كنت متواجداً الخميس الماضي في حي الجزيرة الذي أصبح نموذجياً بحق بعد زيارة برنامج الرياض الخضراء له، وهنا سأحكي لكم باقتضاب غير مخل ولا مسهب بعض شهادتي، ومشاهداتي بعد زيارتي أنا وعدد من الصحافيين والكتاب لفعالية بدء تشجير الحي. كان الجو احتفالياً والطقس رائعاً لهكذا مناسبة، والتنظيم كذلك كان احترافياً ومتقناً أما رائحة التربة الطينية فقد أنعشت الروح والذاكرة وأعادتنا لأيام الكشتات في ضواحي الخرج في الأيام الخوالي، فالأشجار الطازجة من المشاتل كانت العروس التي أسرت الألباب بينما ظلت ترقص وريقاتها وأغصانها مبتهجة. حسناً، لقد اجتمعت المحاسن في هذه الفعالية، فالترتيب والتقنية الحديثة والضيافة والماء والخضرة والأوجه المبتسمة، كل ذلك وأكثر كان حاضراً بجهود دؤوبة من منظمي البرنامج الطموح الذي وعد الرياض بسبعة ملايين وخمس مئة ألف شجرة وابتدأ الغرس في كل مكان. حينما أخذ بأيدينا المنظمون لنبدأ جولتنا بالشاشات التفاعلية شعرنا بالجدية والمسؤولية، فقد رأينا رأي العين هذه المُدى الخضراء والتي ستكون رياضاً بإذن الله، وهنا تواتي الفرصة لعرض بعض الأرقام الضخمة التي أدهشتنا. 43 حديقة كبرى بعضها ستضم منشآت ضخمة كاستاد الرياض الجديد، وستضم دور سينما وبوليفارد ومساحات طبيعية، تتوزع على أجزاء الرياض خارج نطاق الأحياء السكنية، بمساحات تتجاوز 50 ألفاً للحديقة الكبرى الواحدة وتصل إلى مليون متر مربع، أما داخل الأحياء فقد تقررت عدة تصاميم لما مجموعه 3331 حديقة حي وتشمل 120 حياً سكنياً وتعادل جهود التشجير والمساحات الخضراء الجاري تنفيذها مساحة 541كم2 من الأشجار، وكلها من إنتاج مشتلين تبلغ طاقتهما الإنتاجية أكثر من ثلاثة ملايين شتلة في العام الواحد. كل هذه المساحات الخضراء التي بدأت تتشكل في رقاع العاصمة بدءاً من أحياء العزيزية والنسيم والجزيرة فضلاً عن الطرق الرئيسية والميادين والشوارع الفرعية ومداخل العاصمة سيكون ريّها بنسبة 100 ٪ بالمياه الرمادية أو المعالجة بطاقة يومية تبلغ مليون متر مكعب عبر شبكة حديثة تعد الأكبر عالمياً بأطوال تناهز 1300كم. بواكير العمل المتقن والمستدام ومبشراته أخذت تتوالى بإضافات معرفية غاية في الروعة زودنا بها سعادة المهندس عبدالعزيز المقبل مدير برنامج الرياض الخضراء حيث أشار إلى أن 98 نوعاً من الأشجار الملائمة كانت هي الخيارات الأفضل علمياً لبيئة الرياض، فأشجار الرياض الخضراء المنتقاة بعناية والتي تحب بيئتنا ذات المناخ الصحراوي وتتميز بكثافة ظلها وسرعة نموها جاء من أبرز أنواعها ومسمياتها النيم والطلح الملحي والسدر والبروشنون والكوريدا والبلتفورم والبلوط والزنزلخت. ويضيف مدير البرنامج بأن الأثر لهذا التشجير المليوني سيخفض وهج حرارة سطح الأرض في العاصمة الرياض حتى 10 درجات مئوية، وسيخفض معدل ثاني أكسيد الكربون في الهواء بنسبة 6 ٪ وهذا مما سيحسن جودة الحياة ويسهم في زيادة معدلات المشي بمقدار ستة آلاف خطوة وهذه المساهمة العملية من برنامج الرياض الخضراء ليست سوى داعم معزز لبرنامج جودة الحياة والذي أعلن أن الرياض ستكون ضمن أهم 100 مدينة في العالم. في الغد القريب ستتغير الجامعات والكليات والمجمعات الحكومية والمساجد والمنشآت الصحية ومواقع مواقف السيارات والأودية وروافدها وكذلك الأراضي الفضاء كلها ستكون غنية بالتشجير الحضري الذي سيكتمل في 2030 بحول الله وقوته، ولعلنا نجد العذر لمسؤولي التخطيط الحضري في السابق، بعد أن أُهمِلت الحاجات الإنسانية وقضايا الاستدامة في المشاريع السابقة في ظل تسارع وتيرة التنمية العمرانية وتضاعف مساحة العاصمة العربية الأكبر الرياض. غازي العمري