ارتبط اسم النافذة دوماً بالنور والضياء وبالفسحة والأمل، وقديماً كانوا يطلقون على كل بيت ليس له نوافذ قبراً؛ ولذا كلما اتسعت دائرة النافذة وكبر حجمها كان المكان مضيئاً وواسعاً ومبتهجاً ودافعاً إلى السرور حتى إنك ترى الآن التصاميم الحديثة لبناء المنازل تحرص أن تكون واسعة وذات قدر كبير من الإضاءة! الأمل والنظرة التفاؤلية للمستقبل شيء جميل حتى وإن تكالبت على المرء الكثير من الهموم والأحزان وأوصدت في وجهه الكثير من الأبواب فالأمل نعمة لولاه لما هنَأ أحد من الناس بعيش ولا طابت نفسه أن يشرع بعمل. والأمل يعين الإنسان على تحمل صعاب الحياة فهو يدفع الزارع للزرع أملًا في الحصاد، ويغري التاجر للمخاطرة بماله أملًا في الربح، ويحفز المتعلم إلى الصبر في طلب العلم أملًا في النجاح، ويتجرع المريض مرَّ الدواء أملًا في السلامة والعافية، فلولا الأمل ما زرع زارع، ولا تاجر متاجر، ولا تعلم متعلم، ولا تجرع مريض دواء. وكلما قسى عليك الزمن وازدادت ضراوته جاء الأمل في فرج الله كالبلسم الشافي فأراح القلب وأزاح همه وبدد حزنه. وفي قصة يعقوب عليه السلام اشتد أملُه في العثور على يوسف بعدما فقد ابنه الثاني، ولم يذهب عنه الأمل، وكلَّف أبناءه في البحث عن يوسف وأخيه، قال تعالى: ( يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ) وعاد يوسف وأخوه. قال ابن حجر: ( في الأمل سر لطيف؛ لأنه لولا الأمل ما تهنى أحد بعيش، ولا طابت نفسه أن يشرع في عمل من أعمال الدنيا). علِّل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فُسحة الأمل يونس عليه السلام، ابتلي بأن التقمه الحوت فأصبح في الظلمات وحيداً فريداً (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ) نعم، الإنسان قد تتعدد عنده المصائب. مصائب متعلقة بالجسم كالأمراض، ومصائب متعلقة بالمال، إفلاس، بطالة، دخل قليل، فقر ومصائب متعلقة بالأسرة كعقوق الأولاد وانحرافهم ومصائب من نوع آخر كمحن وابتلاءات قد تتوالى على الإنسان، وقد يكون عنده أمل لتجاوزها. أما إنسان قد التقمه الحوت فقد يكون الأمل في نجاته منعدماً وخاصة إذا علمنا أنه في ظلمات ثلاث، في ظلمة الليل، والظلامُ موحش، وفي ظلمة البحر، وظلامُ البحر أشد وحشة، وفي ظلمة بطن الحوت، ظلمات ثلاث، وما من وسيلة من وسائل الاتصال بالعالم الخارجي. لكن يونس عليه السلام كان له اتصال من نوع خاص: ( فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) فجاءه الرد الرباني على جناح السرعة: ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ). علينا أن نفتح نوافذ من الأمل في دواخلنا ونبني طموحات عالية في اتجاهات حياتنا التي نختارها للأفضل وبكل عقلانية.. علينا ألا نيأس وألا نجعل لليأس مكاناً في عقولنا أو قلوبنا.. علينا أن نفهم معنى الحياة وأنها لا تخلو من الصعاب والتحديات ومن الممكن أن نمر بصدمات في أي لحظة قد تهز من ثباتنا وتزعزع من ثقتنا وقد توهن اليقين والتوكل على ربنا وخالقنا، ولكن علينا أن لا نفقد الثقة بأنفسنا وأن لا نرسم في عقولنا مخاوف كبيرة، وأن لا نزرع في أنفسنا أفكاراً سلبية وأن لا نحبط من معنوياتنا. علينا أن لا نفقد الأمل، بل أن نستشعر روعة الحياة وأن فيها نوافذ مضيئة تحتاج أن نفتحها ونزيل الستارة القاتمة المبتلية من أعلاه لأسفله، فالتفاؤل والبشر والسعادة كلها موجودة في الحياة وبكثرة وكأنها كنز مفقود يحتاج إلى بحث وتنقيب، الشيء الكثير، فلتكن ثقتنا بالله، ولنحسن الظن به، وأن مع العسر يسراً، وأن لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس.