يُنظر للمشكلات التي تتعلق بسلامة البيئة وحمايتها والمحافظة عليها إلى أنها واحدة من أهم الدراسات التي يلزم إجراؤها عند التخطيط لبناء وإنشاء المحطات الكهربائية ذات الاعتماد على الوقود الأحفوري (البترول والغاز ومشتقاتهما). وفي حقيقة الأمر فإن هذا الموضوع وتأثيراته وتداعياته قد بدأ يأخذ اهتمامًا متزايدًا في السنوات الأخيرة ليس فقط على المستوى المحلي ولكن أيضاً على المستويات الإقليمية والعالمية بحيث أصبح واحدًا من أهم الأهداف الرئيسة لمرافق الكهرباء التي تبحث عن حلول - من خلال الدراسات والأبحاث العلمية - لمشكلات البيئة المتصلة بتوليد ونقل وتوزيع واستخدام الطاقة الكهربائية وبصفة خاصة في تخفيض الآثار الضارة على البيئة لأقل حد عملي ممكن والإسهام في المساعدة على المحافظة على نظافة البيئة وكائناتها الحية، ومن المعروف أن النشاط الصناعي رغم أهميته لتقدم الإنسان ورقيِّه وتسهيل مجالات حياته إلا أنه مع ذلك يتسبب في تلوث الهواء مما يشكل خطرًا على صحة الإنسان وسائر الكائنات الحية، وفي مراحل النشاط الصناعي الأولى كانت معظم الطاقة تستخدم في تشغيل المصانع عن طريق حرق كميات من الوقود التقليدي (الخشب، الفحم، البترول، الغاز)، وقد نشأ عن ذلك إنتاج كميات كبيرة من عوادم الاحتراق التي تتسبب في تلوث الهواء. وقد نجم عن انتشار العديد من المصانع ونشوء المدن الصناعية في بعض المناطق زيادة حدة المشكلة وتفاقمها بالإضافة إلى أنه لم يكن هناك أي تحكم في انبعاثات التلوث وآثاره في تلك المنشآت الصناعية. وقد ساعد الاستخدام المتزايد للطاقة الكهربائية في تشغيل المصانع على الحد من تلوث الهواء بسبب النشاط الصناعي، بيد أن محطات توليد الكهرباء والتي يتم فيها حرق الوقود لإنتاج الحرارة التي تُستخدم في إدارة مولدات الكهرباء أصبحت ذاتها مصدرًا من المصادر الرئيسة التي تتسبب في تلويث الهواء وتدني جودته. بل وتزداد حدة المشكلة بالإقبال المتزايد على استخدام الطاقة الكهربائية الذي يصاحبه بالضرورة ازدياد وتوسع وانتشار تلك المحطات الكهربائية. كما أن انبعاث الأدخنة والغازات والأبخرة من عوادم محطات توليد الكهرباء إلى الهواء الخارجي يتسبب في رفع درجة حرارة الهواء المحيط بتلك المحطات مقارنة بدرجات الحرارة في المناطق المعيشية الأخرى، وبالإضافة إلى ذلك فإن بخار الماء المنبعث من وحدات التبريد في المحطات البخارية قد يتسبب في تكوُّن الرذاذ والبخار أو السحب الملوثة في المناطق المجاورة لمحطات توليد الكهرباء مما ينتج عنه في بعض الأحوال انخفاض في مدى الرؤية في تلك المناطق. ونظراً لأن محطات التوليد البخارية تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه لاستخدامها في التبريد من خلال دورانها داخل المكثفات ثم يتم إرجاعها مرة أخرى عبر مجرى مائي إلى المصدر المائي الذي أخذت منه فإن هذه المحطات تتسبب في رفع درجة حرارة المياه في المناطق القريبة منها الأمر الذي قد يتسبب في حدوث أضرار على الكائنات الحية التي تقتات وتعيش في تلك المناطق، كما يعتبر البعض أن رفع درجات الحرارة على الرغم من أنها قد تتم في منطقة صغيرة محدودة مجاورة لمحطات التوليد فإنها قد تتجه إلى قلب التوازن البيئي والتغير المناخي. وهنا لا بد أن نشيد بجهود وزارة الطاقة ضمن الجهود الدولية المبذولة في مجالات الحد من انبعاثات صناعة البترول والغاز وملوثات الطاقة كافة، مما دفع كبريات الدول الصناعية المتقدمة في العالم للتوجه صوب المملكة للشراكة والاستفادة من الهيمنة التقنية السعودية الملهمة في تحضير المواد الهيدروكربونية وصناعة وقود الهيدروجين كمصدرٍ موثوق للهيدروجين الأخضر والأمونيا الزرقاء منخفضة الكربون وتحقيق هدفها الساعي لتوفير مصادر طاقة خضراء عملية ومستدامة لمستقبل الوقود النظيف، وما ذلك إلا توجه لدى المملكة - ممثلة في وزارة الطاقة – حيث أبان صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير الطاقة - يحفظه الله - في أحد ملتقياته أن هناك مواصفات خاصة بالمركبات التي تعمل بالهيدروجين هي الأعلى كفاءة والأقل تكلفة والأمثل بيئيًا، وذلك بغية جلب الاهتمام والتركيز على جوانب محورية تكمن في تطبيق الهيدروجين الأخضر في قطاع النقل واختبار أداء المركبات والحافلات التي تعمل بخلايا وقود الهيدروجين واكتساب الخبرات التجارية والتقنية من أجل توسيع نطاقات ومجالات استغلال الهيدروجين في المملكة ومن خلال استقطاب شركاء من موردي المركبات والحافلات التي تعمل بخلايا وقود الهيدروجين ونشر الوعي العام المتعلق بتطبيقات الهيدروجين في المملكة. إن هذه الجهود وتلك الأنشطة التي تبذلها وزارة الطاقة ستسهمان - بعون الله - في النمو والتنوع الاقتصادي وتعززان قدرة المملكة وتمكين مساعيها في التعامل مع ظاهرة التغير المناخي، وتطوران إمكاناتها في مجالات الطاقات المختلفة وترسخان مكانتها كدولة رئيسة ورائدة في مجال تصنيع وإنتاج الهيدروجين، وذلك بعد أن نجحت المملكة مسبقًا في إقناع قمة العشرين على تبني اقتصاد الكربون الدائري الذي يمنع التسربات الغازية المصاحبة للتطور الصناعي العالمي ووصولاً للحياد الكربوني أو الانبعاث الصفري الكربوني الذي ترنو له دول العالم قاطبة بحلول عام 2060 بمشيئة الله. وأخيرًاً، إن تسريع وتيرة تحول قطاع الطاقة بما يتوافق مع أهداف المناخ والتنمية يتطلب التزامًا عالميًا بأقصى درجات التعاون الدولي، مع الحرص على بقاء تحقيق أهداف التنمية المستدامة والوصول الشامل إلى مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030 كركيزة أساسية للتحول المرن والتطبيق الشامل للطاقات النظيفة الملائمة للبيئة، وهنا تبرز الحاجة الماسة إلى رسم أطر تنظيمية جيوسياسية عالمية شاملة تجمع بلدان العالم بأسرها من أجل تبادل الخبرات وتعزيز الاستثمار وزيادة التمويل وتوفير الدعم للمشاريع المتعلقة بالمناخ من أجل بناء عالم يظله التعاون والتفاهم وتسوده العدالة والوئام. * الأستاذ في جامعة الملك سعود