يدرك المتابع للحرب الروسية - الأوكرانية تمامًا بأن مشاركة حلف الناتو -بقيادة أميركا- في هذا الصراع تسير باتجاه تصاعدي كبير وخطير، ففي بداية الصراع كانت القيادة في البيت الأبيض تؤكد بأن دور حلف شمال الأطلسي في هذا الصراع دفاعي عبر العقوبات فقط، ولم يحدث هذا على الإطلاق؛ لأنه بعد مرور عام على الصراع قدم الحلفاء ما يعادل أكثر من 50 مليار دولار قيمة قذائف الهاوتزر والصواريخ المضادة للدبابات ورادارات المراقبة الجوية وغيرها من المساعدات العسكرية ولكن دون تقديم أسلحة هجومية متطورة وبلغ الحجم الإجمالي للمساعدات نحو 150.8 مليار دولار. وخلال زيارة بايدن الأخيرة للعاصمة الأوكرانية أعلن عن مساعدة أميركية إضافية بقيمة نصف مليار دولار، وحول هذه المساعدات قال بايدن لقناة سي إن إن: «اسمحوا لي أن أكون واضحا: هذه تحركات دفاعية تماما من جانبنا، ليس لدينا نية لمحاربة روسيا». تعد هذه المساعدات -حسب القيادة الروسية- مشاركة صريحة في الصراع، ولكن لم تصل إلى حد الاعتداء على السيادة في موسكو، فهل سيتوقف الأمر عند ذلك أم أن الحرب لها رأي آخر؟ وفي هذا السياق تضغط القيادة في أوكرانيا من أجل أنظمة ساحة المعركة التي من شأنها أن تسمح لقواتها بضرب الأهداف الروسية التي تم إبعادها من مناطق الخطوط الأمامية، وحول هذا قال زيلينسكي إنه تحدث مع بايدن عن «أسلحة بعيدة المدى»، لكنه لم يذكر بالتفصيل أي التزامات جديدة من قبل القيادة الأميركية في هذه المرحلة. يدل سياق الأحداث دلالة واضحة على أن الحرب في أوكرانيا تشهد تطورات مستمرة من حيث المواجهة، فهل يملك طرفا الصراع استراتيجية واضحة ومنضبطة تضمن عدم حدوث مواجهة مباشرة بين الدول النووية؟ عزيزي القارئ، للأسف تفاقمت الأحداث التي أشرت إليها في بداية التقرير، والتصريحات الأخيرة من قبل رئيس أوكرانيا تطالب بمشاركة أبناء الولاياتالمتحدة في الدفاع عن أوكرانيا ولو تطلب ذلك خسارة في الأرواح! هذا الحديث الذي لم يواجه بأي استهجان من قبل القيادة في واشنطن يدل على عدم وجود تلك الاستراتيجية! بالرغم من أن الرئيس الأميركي جو بايدن قال في يوم الإثنين 12 ديسمبر 2022: «لا توجد خطط لإرسال قوات أميركية إلى أوكرانيا». لكن الحديث داخل واشنطن لم يعد يستبعد هذه الخطوة مع وجود توافق بين الجمهوريين والديموقراطيين داخل مجلس الشيوخ تجاه خطر «الغزو الروسي» حسب وصفهم، وفي هذا السياق تجد نظرية أن الوضع في أوكرانيا يتطلب إرسال قوات عسكرية نظامية لتحقيق تغيير لا تستطيع القوات التطوعية من إحداثه قبولاً كبيرًا داخل واشنطن والاتحاد الأوروبي، ناهيك عن الحاجة لقوات نظامية للتدريب والصيانة، في حال وصول الصراع إلى هذه المرحلة لن يتطلب حشد الشارع الأميركي والأوروبي تجاه مواجهة مباشرة إلا خسارة في أرواح داخل قوات الناتو والجيش الأميركي، وهذا ما يطالب به زيلنيسكي! حذر الرئيس جو بايدن خلال زيارته الأخيرة لدولة بولندا من «الأيام الصعبة والمريرة» مع اقتراب الغزو الروسي لأوكرانيا من عام واحد، واستخدم بايدن خطابًا شديد اللهجة أشاد فيه بالحلفاء في أوروبا لتصعيدهم خلال العام الماضي ولإرسال رسالة واضحة إلى الرئيس الروسي بوتين مفادها أن: «الناتو لن ينقسم، ولن نتعب». واقع سياق الأحداث غير مطمئن والعالم في حالة ترقب وخوف من أن الكواليس تحمل في جعبتها مواجهة عمل المجتمع الدولي لعقود طويلة تجنبها.