أردت أن أصبح طائرًا فلماذا يحدق بي هذا العالم كفوهة بندقية أردت أن أصبح شجرة فلماذا تنهال عليّ كل هذه الفؤوس. هذه الكلمات من ا. فيصل الرحيل ذكرتني بقصة جميلة لرجل أضاع ذات يوم فأسه ولم يجدها، فبدأ يشك في أن جاره هو الذي سرق فأسه فراح يراقب جاره ويرصد تحركاته، وكان واضحاً بالنسبة له أن طريقة مشي جاره هي مشية سارق الفأس، وأسلوب كلامه هو أسلوب سارق الفاس، وحتى حركاته ولغة جسده توحي بأنه سارق الفأس... كان وقتاً صعباً على الرجل، فكيف يستطيع أن يواجه جاره ويسأله بكل صراحة لماذا سرقت فأسي؟؟ كيف تجرأت على ذلك؟؟ وبعد ليلة طويلة وتعب وإجهاد مع الأرق بسبب طول التفكير، وجد الرجل فأسه واكتشف أن ابنه الصغير أخفاه تحت كومة من القش. نظر الرجل إلى جاره مرة أخرى فلم يلق أي دليل أو مؤشر على أنه سرق الفأس لا في طريقة مشيته ولا أسلوب كلامه ولا لغة جسده. كان إنساناً نقياً نظيفاً من أي تهمة تتعلق بالسرقات. في تلك اللحظة استيقن الرجل أنه هو نفسه من كان السارق، فقد سرق من جاره أمانته وجرده من براءته، وسرق من وقته وعمره ساعات طوال في التفكير السلبي حيال جاره البريء. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا: "كم عدد المديرين الذي ظنوا ويظنون أن فؤوسهم سرقت؟ وكم عدد المظلومين من الموظفين الذين تمت معاقبتهم وإصدار الأحكام الجائرة عليهم زوراً وبهتاناً بتهمة سرقة تلك الفؤوس التي لا علاقة لهم بها؟". أكاد أجزم بأن هذه المشكلة مستفحلة في عدد غير قليل من المنظمات ولعل من أهم أسبابها هو التعجل من المدير أو المسؤول بإصدار الأحكام قبل التأكد والتثبت. وما يزيد من تفاقم المشكلة هو الدائرة الضيقة من المدير والتي قد تستغل قربها لتصفية الحسابات وتزييف الحقائق والمعلومات وصناعة المكايد. وللتعامل مع هذه المشكلة فمن المهم وجود أنظمة حوكمة ورقابة ذات شفافية وحزم. وفي الوقت نفسه يلعب المدير دوراً محورياً في بناء ثقافة مؤسسية صحية ونظيفة تحارب النميمة والحروب الداخلية عبر البدء بتطبيق ذلك في قراراته وتعاملاته وتحفيز الممارسات السوية على مستوى المنظمة. وبالنسبة للمدير، إذا تأكدت من أن البعض يستغل قربه منك لتشويه سمعة الآخرين فحذّره واحذر منه، فإن تكرر منه ذلك فاستبعده لأنه لا خير في قرب من يبعد الحقيقة عنك. واحرص على أن ألا تكون ممن تنطبق عليهم المقولة الشعبية "مثل طابخ الفأس!"، وهي قصة شخص اشتهى مرقاً ونكهة في طبخه، ولما كان الجزارون والقصابون يقطعون اللحم في الماضي بالفؤوس قبل أن ينتشر استخدام السواطير، قرر أن يضع الفأس في قدر الماء المغلي طمعاً في المرق لأن حديد الفأس لامس اللحم والشحم. ولكن وبعد ساعات من غلي الفاس لم يجد أي طعم ولا نكهة من طبخ الحديد. وبعدها أصبحت مقولة "مثل طابخ الفاس" تطلق على من يطلب مساعدة من ليس بأهل لتقديم المساعدة أو على من يطلب الكرم من بخيل والتعاطف من أناني. ولذلك على المدير أن يحرص على اختيار فريقه والأشخاص القريبين منه ومن يحملهم الأمانة والمسؤولية في منظمته. وختاما، يقول فيصل الرحيل: "تمهل أيها الفأس إن نصفك شجرة"، وأقول تمهل أيها المدير والمسؤول ولا تتجبر ولا تظلم، فكلك من تراب ومصيرك تحت التراب. احزم وارحم، واعدل وأجزل، لن يحبك الجميع ولن يرضوا عنك كلهم، ولكن احرص على أن يحب الله عزوجل عملك وأن يكون ضميرك مرتاحاً وراضياً.