كم هو مخيف هذا العالم الافتراضي بمحتواه وسرعته وتأثيره الخطر الذي صنعه البشر، فأصبحوا كالسمك الكبير الذي يلتهم الصغير بطرق مختلفة، يستغلون فيها مشاعرهم وضعف وعيهم، ويزجون بعضهم في متاهات الإيذاء المتعمد وغير المتعمد.. لا أعرف ما ميزته غير أنه زيادة في الشهرة وبالتالي زيادة في الأموال، ولكن الذي أعرفه أنه من أكثر مصطلحات السوشال ميديا إساءة لضعاف الوعي وبالتالي على المجتمع بطريقة أو أخرى. كثير من (تريند) أو الصيحة -إن صحت الترجمة لهذا المصطلح- يصنع صناعة، فيفتعل المشاهير حدثاً ما يناسب توجهاتهم ويعرضونه للناس وهم على ثقة بأن ما يريدونه سيتحقق لهم، وبعض الصيحات تأتي من قبل المتابعين وغيرهم عندما يستنكرون أو يرفضون موقفاً ما أو تصريحاً ما أو رأياً أطلقه ذلك المشهور أو المشهورة، وقد يكون (تريند) لأن المتابعين أعجبوا بشيء ما، وقليل قليل جداً من الصيحات تكون مهمة أو تشير لقضية مفيدة. وما أعجب له هو ذلك الأثر الذي يتركه التريند على الطرفين المشهور والمتابع، فالمشاهير يسعدهم ذلك سواء تناوله الناس بالسالب أو الموجب، فالمهم أنه حقق الترند، فلا يهتمون للانتقادات اللاذعة ولا الإشاعات المسيئة، فكلها في النهاية ترفع أسهمهم في سوق الإعلان، حتى أنهم لا يترددون في عرض أخص خصوصياتهم بل وخصوصيات من يمتون لهم بصلة قريبة كالأبناء والأزواج في قضايا الطلاق والزواج الثاني أو الأمراض، ودائماً يجدون لأنفسهم التبريرات التي تقنعهم في هذه الأمور! أما المتابع الذي يفرح بتحقيق المشهور للتريند فهو ذلك الأحمق الذي يسعد بما يسعد به المشهور ويغضب لما يغضب منه! بل إن بعضهم يجعلون من أنفسهم فريق دفاع يستميت لتبرئة ساحة من يتبعون! وهؤلاء هم الذين ينفخون المشاهير، فيصبح أحدهم كالبالون الذي يرتفع فوق رؤوس الناس ويرى أنه دائماً على صواب، فلا يداخل أقواله ولا أفعاله الخطأ، ولا يتقبل أي رأي يخالف ما يقوله أو ينقد ما يفعله، ولم ينج من هذه الحالة حتى من يرون أنفسهم دعاة في مجال الوعي وتطوير الذات، أصابتهم نفحة الشهرة بشيء من جنون العظمة، فصاروا يظهرون بكثرة وعلى كل وسائل التواصل، ويبدو واضحاً جداً كم هم سعداء بأتباعهم وهم يصفقون لكل قول وأي عمل. سمعت إحداهن وهي تتكلم عن طاقة الشهرة وأثرها على الناس، وكيف تغير أحوالهم، ولكنها لم تلحظ بأن ما تقوله ينطبق عليها في بعض جوانبه الأهم وهنا يصدق عليهم المثل القائل (الجمل لا يرى سنامه)، وهذه حالة عجيبة كان لمواقع التواصل أثرها القوي في إبراز نماذج كثيرة ممن أصيبوا بهذه الحالة التي تجعلهم لا يرون عيوبهم وفي الوقت نفسه يسلطون كل قدراتهم لإبراز عيوب الآخرين، وتأخذهم هذه الحالة إلى لعب دور الضحية البريئة أحياناً أو العقلاء المميزين أحياناً أخرى، حيث يعمدون إلى نقل ما يقوله الحكماء وكأنهم يشيرون لأنفسهم بما يصدقونه عن حالهم ويشيرون بأصابع الاتهام لغيرهم. كم هو مخيف هذا العالم الافتراضي بمحتواه وسرعته وتأثيره الخطر الذي صنعه البشر! فأصبحوا كالسمك الكبير الذي يلتهم الصغير بطرق مختلفة، يستغلون فيها مشاعرهم وضعف وعيهم، ويزجون بعضهم في متاهات الإيذاء المتعمد وغير المتعمد، إيذاء نفسي ومادي وجسدي أيضاً، ولو بالإيحاء والإعلان، فكم من أنوف جدعت، وخدود تحجرت، وفك نحت بلا داعٍ! وكم من قلوب كسرت واضطرابات نفسية تولدت بسبب المظاهر الخادعة! وفي النهاية لا تؤثر تلك الأعمال على فرد أو اثنين بل على مجتمع كامل تتهاوى فيه القيم يوماً بعد آخر.