عندما كنتُ أعمل في الصحافة، شاركت في التغطية الإعلامية لبعض من دورات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي الذي بدأ عام 1988، وهو مهرجان متخصص في تقديم عروض خارجة عن المألوف والقواعد المسرحية المتعارف عليها، وشاهدت الكثير من عروض هذا المهرجان والتي في غالبها لا تتضمن نصاً مسرحياً صريحاً، بل أشبه ما يكون خواطر وأفكاراً مكتوبة مفعمة بالتغريب والترميز في الأداء والإخراج، فتظهر على الممثلين إسقاطات وأفعال هلامية لا ملامح لها، يميل الممثل في أدائه إلى التحريك الجسدي كلغة بديلة للنص، من خلفه قماشة سوداء أو بيضاء وبعض من الإكسسوارات والديكورات البسيطة، يصاحب العرض إضاءة ملونة وضجيج موسيقي، بعد ذلك يخرج المتفرج من العرض مليء بالقلق والتوتر وحالة غموض ورموز وإسقاطات غير مفهومة! وبعد عدة مشاركات للجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون في عدة دورات للمهرجان، أصاب هذا النمط المسرحي مسرحنا الاجتماعي الجماهيري في مقتل، حيث تعطل مسرحنا محلياً ونماء المسرح التجريبي في بعض فروع الجمعية، لمدة قاربت الثلاثين عاماً، نشأت خلالها فرق مسرحية خاصة ذات المنهج التجريبي وشاركت من ذاتها في هذا المهرجان وغيره مماثل! في ظاهر المشاركة تقديم المسرح السعودي خارجياً لاكتساب خبرة وفن، وفي باطنها تفريج هم وصحبة مسرحي! وقبل مشاركة هؤلاء بفرقهم خارجياً، قدموا عروضهم محلياً ولكنها فشلت، حيث رأى الجمهور فيها أفكاراً ضبابية وخروجاً عن الواقع الاجتماعي المعتاد وبالتالي أعطى الجمهور ظهورهم لهم! ولوحظ على بعض أفراد هذه الفرق عند عودتهم من المشاركات الخارجية، التغير في علاقاتهم مع غيرهم من المسرحيين والإعلاميين، تولدت لديهم نظرة التعالي ورفض من يخالف نهجهم، وتولدت أيضاً حساسية من النقد وعدم تقبل الرأي الآخر، يرون أنفسهم أصحاب ابتكار وتجديد واستحداث حالة مسرحية فلسفية أخرى، حتى وإن لم يتقبل الجمهور ما يقدمونه! ولكي لا يعود مسرحنا لهذه الحالة المتردية مرة أخرى، آن الأوان للجهات المسؤولة عن المسرح كهيئة المسرح والفنون الأدائية بوزارة الثقافة وجمعية الثقافة والفنون بكافة فروعها، أن تصحح الإشكالية في مسرحنا، وتسارع الخطى لعودة مسرحنا الاجتماعي الجماهيري، الذي يقدم للناس قضاياهم وشؤونهم الحياتية في إطار المتعة والفائدة والترفيه، كما هي الحال والدور الذي تقوم به هيئة الترفيه في "مواسم الرياض" وغيرها من المواسم بالمدن الأخرى، حيث قدمت المسرح الاجتماعي الجماهيري بواسطة شباك التذاكر، ليشاهد الجمهور نجوم المسرح وهم يمثلون قضاياهم الاجتماعية بفن وإبداع، يعرضون مسرحياتهم على مسارح تم بناؤها على أحدث طراز وتقنيات، وعليه أتمنى أن تفعل هيئة المسرح والفنون الأدائية وجمعية الثقافة والفنون، ما فعلته هيئة الترفيه، من أجل الوصول بمسرحنا الجماهيري الاجتماعي إلى جمهوره بسلام.