أطقلت وزارة الثقافة في يوم الثلاثاء "28 يناير" من العام الجاري، "مبادرة المسرح الوطني" في مركز الملك فهد الثقافي، لتكون في تلك اللحظة موعدا تنويريا ودعما جديدا للمسرحيين السعوديين، في تعزيز إمكاناتهم بالفنون الأدائية، وفق رؤية "المملكة 2030"، بعد ذلك، جاء الإعلان عن إنشاء هيئة المسرح والفنون الأدائية، لتكون الجهة ذات المرجعية الرسمية بشؤون المسرح في المملكة وتطويره، سواء على مستوى الكوادر أو البنى التحتية. لقد جاء المسرح في المملكة، وفق إطار شعبي خالص، متماشيا مع التطورات في المجتمع السعودي عبر الزمان والمكان، بتنوع لهجاتها وثقافتها، من هناك، كان للمسرح السعودي أرشيف وحضارة منّذ أزل الآزلين، فإلى البدايات.. البدايات المدرسية يقول الباحث المسرحي علي السعيد في كتاب (الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون وأربعون عاماً على المسرح) والذي صدر من "فنون الرياض - 1435" : إن بدايات المسرح في عام "1928"، حين أقامت المدرسة الأهلية بعنيزة حفلاً مسرحياً في ختام عامها الدراسي، برزت فيه مسرحية "بين جاهل ومتعلم" عبارة عن مناظرة في فضل العلم، لكنها قدمت قبل ذلك "1925" حفلا شرفه جلالة الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - فيه العديد من المسرحيات المدرسية مثل مسرحية "كسرى والوفد العربي"، ومسرح أيضا في مدرسة النجاح الليلية بالمدينةالمنورة في "1935"، بمناسبة مرور ربع قرن على تأسيسها، وفي جيزان "1937" أقامت المدرسة الأميرية مسرحية "عالم ونجار وحداد"، "غزوة اليرموك"، وغيرها في عدّة مناطق بمناسبة انتهاء العام الدراسي. المسرح رسمياً بعد ذلك اتسع نطاق النشاط المسرحي المدرسي، حيث تأسست في مكةالمكرمة جماعة المسامرات الأدبية وهي اتحاد ثقافي بين طلاب المعهد العلمي السعودي وطلاب مدرسة تحضير البعثات، تنظم هذه الجماعة النشاط الثقافي الدوري من بينها مسرحيات. كذلك مدرسة "دار الأيتام" في مكةالمكرمة، أما في مدينة الرياض فقد برزت مدرسة الأنجال والمدرسة الأهلية في تنظيم الحفلات المسرحية المشتركة والمنفصلة، ففي عام "1953" أصبح النشاط المسرحي المدرسي نشاطاً رسمياً، وذلك عندما أنشئت وزارة المعارف السعودية والتي ضمت ضمن إداراتها إدارة التربية الرياضية والاجتماعية، وتحولت فيما بعد إلى الإدارة العامة للنشاط المدرسي، ويتبعها قسم النشاط المسرحي الذي تحول في عام "1994" إلى قسم النشاط الثقافي. مسرح الشباب المدرسي خلال فترة "الستينات والسبعينات" ازدهر النشاط المسرحي، سواء في المدارس أو المراكز الصيفية، حيث شاركت وزارة المعارف ممثلة بالمسرح المدرسي في تمثيل المملكة، بعدد من اللقاءات والمهرجانات العربية، منها اللقاء الأخوي لطلاب التعليم العام لدول الخليج العربي بقطر "1986" ومهرجان نيا بوليس المسرحي الدولي لمسرح الطفل "2003" بمسرحية "أرنب نط"، وكذلك مهرجان المسرح المدرسي الخليجي، وحين بدأت الأندية الرياضية والشبابية تقديم المسرح والتمثيليات المسرحية في حفلاتها في أوائل الخمسينات الميلادية، إذ يسجل التاريخ أقدم مشاركة على خشبة مسرح نادي شباب المجمعة "1957"، لكن تأتي محاولة الأديب أحمد السباعي كمحطة مهمة في تاريخ المسرح السعودي والمسرح الأهلي بشكل خاص "1961"، حينما أسس دار قريش للمسرح الإسلامي واستعد لتقديم مسرحية "فتح مكة" إلا أن محاولته وئدت في مهدها وأغلق المسرح قبل أن يفتتح. بروز المسرح الموسمي برزت الأندية في تقديم عروض المسرحيات الموسمية، ساعدها على الاستمرار وجود المهرجان الثقافي والفني السنوي الذي تنظمه الرئاسة العامة لرعاية الشباب والذي توقف "1984"، بينما قدمت بعض اللجان الشعبية للجمهور في مناسبات مختلفة عدداً من العروض المسرحية، وشهدت الرياض مسرحية (ثمن الفداء) "1969" من إخراج العراقي محسن العزاوي وبطولة الممثل عبدالعزيز الحماد ونخبة من الممثلين العرب وفي الدماموالأحساء والقطيف عرضت مسرحية (شعب لن يموت) وهذه المسرحيات قدمت ضمن أنشطة اللجنة الشعبية لدعم ومؤازرة القضية الفلسطينية، في عام "1971" أنشئت جمعية الفنون الشعبية الأهلية في الأحساء، تضم نخبة من المسرحيين. مسرح التلفزيون التلفزيون السعودي بالرياض الذي افتتح عام "1965"، أنتج مسرحية تلفزيونية في أواخر العقد بعنوان (عريس من ذهب) وهي من تمثيل حمد وأحمد الهذيل والشريف العرضاوي ولطفي زيني وحسن دردير وغيرهم، كذلك المسرحية التلفزيونية (المزيفون) من بطولة سعد خضر وعلي إبراهيم وعبدالعزيز الحماد، لكن التلفزيون لم يستطع أن يقدم مسرحياته في عرض مباشر للجمهور إلا في عام "1974" ولأول مرة في تاريخه هي (مسرحية طبيب بالمشعاب) أخرجها إبراهيم الحمدان، ومثلها نخبة من رواد المسرح بالمملكة يتقدمهم محمد العلي، محمد الطويان وغيرهم. العودة إلى البدايات ترجع بدايات تاريخ المسرح بالأحساء إلى الثلاثينات والأربعينات الميلادية، من خلال مدرسة الفتح وأيضاً المعهد العلمي، وما قدمته الأندية الرياضية في منتصف السبعينات، تحت إشراف الرئاسة العامة لرعاية الشباب في العام "1395" والأندية الرياضية، وعند تأسيس جمعية الثقافة والفنون بالأحساء والتي كانت في بدايتها تحت مسمى جمعية الفنون الشعبية في العام "1971"، كانت تمارس نشاط التجارب المسرحية، ومن الأمور المحسوبة، قدم نادي الجبيل أول عمل مسرحي للطفل "1976" تحت اسم مسرحية (ليلة النافلة) لمؤلفها ومخرجها عبدالرحمن المريخي "رحمه الله". مسرح الجمعية بينما قدمت جمعية الثقافة والفنون بالرياض، أول عروض مسرحية تحت عنوان "آخر المشوار" في عام"1975"، وأصبح للجمعية فروع متعدد في مناطق المملكة، كانت تهتم بالمسرح والدورات والندوات، وتمثل المملكة في مختلف المهرجانات العربية، وفي عام "1985" أطلقت الرئاسة العامة لرعاية الشباب مشروع مسرح الشباب الذي تقدم به الأستاذ عبدالرحمن الرقراق وأنشئت فرق مسرح الشباب لكل المناطق، مقدمة عددا من المسرحيات منها، "قطار الحظ، تحت الكراسي، المقاول، الدراهم مراهم، ثلاثي النكد، المهابيل، سكة سفر" وغيرها، حيث يعتبر بكر الشدي أول ممثل مسرحي يحصل على شهادة الدكتوراة في المسرح. مسرح الطائف ساهم التعليم في وضع لبنات المسرح في الطائف وتأتي مدرسة "دار التوحيد" بالدور الريادي في المسرح المدرسي، وشهدت في عقد الخمسينات ظهور المسرح في المدارس والمراكز الصيفية، كذلك مسرح الشباب من خلال الأندية "1978"، وفي عام "1979" تم تأسيس جمعية الثقافة والفنون بالطائف وكانت لجنة الفنون المسرحية من ضمن لجان الجمعية العاملة، وانطلق عملها في الإنتاج المتكامل عام "1984" بمسرحية (مين يكمل الثاني) ومسرحية (صفعة في المرأة)، ثم مسرحية (مع الخيل ياعربان) عام "1985"، و(اللعبة)، وفي عام "1990" مسرحية (الأوراق الثلاث ثم يا رايح الوادي وبيت العز). المهرجانات المحلية أُقيم في المملكة عدد من المهرجانات والمسرحية والتي أسهمت في تنشيط الحركة، منها المهرجان الوطني للتراث والثقافة بالجنادرية، مهرجان الفرق المسرحية التابعة لوزارة التربية والتعليم والذي انطلقت أولى دوراته عام "1999" ومازال، ومهرجان أبها المسرحي الذي توقف، ومهرجان المسرح السعودي والذي انطلق عام "1988"، ومهرجان الدمام المسرحي للعروض المسرحية القصيرة، أيضا مهرجان أمانة مدينة الرياض المسرحي وهو مهرجان مسرحي ذو طابع ترويحي يقام بمناسبة الاحتفالات بعيد الفطر المبارك، وتقدم خلاله العروض المسرحية الاجتماعية ذات طابع كوميدي، ومهرجان الأحساء المسرحي للشباب، مهرجان مسرح الطفل ضمن فعاليات جناح وزارة التربية والتعليم بالمهرجان الوطني للتراث والثقافة وأقيمت منه ثلاث دورات، ومهرجان الفرق المسرحية الأهلية الذي نظمته جمعية المسرحيين السعوديين وأقيمت دورته الأولى، مهرجان مسرح الشباب بالطائف والذي أقيمت دورته الأولى عام "2013"، ومهرجان الفرق المسرحية التابعة لرعاية الشباب أقيمت دورته الأولى عام "2014"، وكذلك مهرجان عنيزة. المهرجانات الخارجية شارك المسرح السعودي في مختلف المهرجانات المسرحية العربية والإقليمية والدولية مثل، مهرجان المسرح الخليجي ومهرجان قرطاج المسرحي الدولي ومهرجان القاهرة للمسرح التجريبي ومهرجان المسرح الأردني ومهرجان أصيلة والمهرجانات المسرحية الشبابية، مهرجان الشباب العربيى الذي تنظمه جامعة الدول العربية ومهرجانات مسرح الطفل في تونس والمغرب. ولها حضور دائم فيها وضعت فيها العديد من الفرق المسرحية السعودية بصمة مهمة في خارطة المسرح العربي، حيث حصل المسرحيون السعوديون على العديد من الجوائز واعتلوا منصات التكريم في أكثر من مناسبة ومهرجان. ولعل المسرحيات السعودية الوحيدة التي نالت جائزة أفضل عرض على المستوى العربي، مسرحية (إيقاع زمن واقع) بمهرجان الشباب العربي التاسع بالإسكندرية "1998"، للكاتب مشعل الرشيد، ولنفس الكاتب نالت مسرحيتة (والناس نيام) جائزة أفضل عرض بمهرجان الشباب العربي بدورته العاشرة بالخرطوم "2006". مسرح الطفل في السبعينات الميلادية من القرن الماضي، ظهر على خشبة مسرح الطفل في بعض أفرع جمعية الثقافة والفنون والأندية الرياضية، طرح محلي واجتماعي بأسلوب نقدي يجمع الجد والهزل والمتعة الهادفة، مستلهماً للتراث الشعبي والأسطورة القديمة وحياة الغابة كموضوعات رئيسية له، ومع توسع المدينة وازدياد نسبة السكان، دعت الحاجة إلى تعدد أماكن الترفية التي قدمت مسرح الطفل كواحد من أهم فعالياتها الموسمية، وكان لهذا المسرح دور في تقديم المتغيرات الاجتماعية المعاصرة التي طرأت على المجتمع السعودي، فكان مسرح الطفل سواء داخل مؤسساته الرسمية أو في أماكن الترفيه كالمنتزهات، مسرحاً مليئاً بالمرح والترفيه للطفل الصغير بعيداً عن الطرح المباشر في عناصر العرض المسرحي كما كان في بدايته، وفي عام "2008" تم إنشاء قسم مسرح الطفل بالمركز الرئيس لجمعية الثقافة والفنون بالرياض لتنظيم وإدارة هذا المسرح في جميع فروع الجمعية. المسرح الجامعي المسرح الجامعي بدأ في مزاولة أنشطته، منذ أوائل السبعينات الميلادية، حيث كانت جامعة الرياض (جامعة الملك سعود حالياً)، وجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، يقدمان في حفلاتهما السنوية عروضاً إلا أن العام الدراسي "1976" شهد نقلة نوعية حينما تعاقدت جامعة الملك سعود مع مخرج مسرحي متخصص أ. محمد رشدي سلام، وأقامت المسابقة المسرحية بين كليات الجامعة وخلال سنوات عديدة قدم المسرح الجامعي خلال مواسمه المتعاقبة نخبة من نجوم المسرح السعودي الذين لا يزال بعضهم من العناصر الفاعلة في المسرح السعودي، وقد أسست جامعة الملك عبدالعزيز نادي المسرح الذي يتولى النشاط المسرحي فيها ويقدم موسماً مسرحياً منتظما، كذلك جامعة أم القرى تلتها جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وجامعة الملك فيصل، وفي عام "1990" افتتحت في كلية الآداب بجامعة الملك سعود شعبة للفنون المسرحية تابعة لقسم الإعلام، وقد تخرج من هذا القسم عدد من الدارسين إلا أن هذا التخصص أغلق بعد تخرج دفعتين منه. مسرح الأمانة في عام "2005" انطلق قطار مسرح أمانة منطقة الرياض في عيد الفطر بمسرحية "الضربة القاضية"، كفكرة رائدة من أمين المنطقه الرياض آنذاك الأمير عبدالعزيز العياف.. ثم ازداد عدد المسرحيات كل عام خلال أعياد الفطر، حتى وصل العدد إلى "12" مسرحية متنوعة للرجال للكبار وللنساء وأيضا للأطفال، وعندما وجد المسؤولون بالأمانة الصدى الواسع الذي يحدثه المسرح في المجتمع كفن جاذب ودعائي، تم إقرار مسرح الموسم إضافة إلى مسرح العيد، أي لكل شهر مسرحية، تبدأ العروض من محرم وتنتهي في شعبان لمدة موسمين، وكانت محصلة هذا العقد الزمني المسرحي للأمانة، ظهور المسرح الاجتماعي الترفيهي ومنه ظهر جيل جديد من الكتاب والمخرجين والممثلين والفنيين للمسرح السعودي، فضلاً عن ذلك جماهيريته. المسرح في حضن الثقافة في ختام هذه الصفحة البانورامية عن المسرح السعودي، نؤكد أن مبادرة المسرح الوطني التي أطلقتها وزارة الثقافة، تعتبر صفحة تاريخية جديدة وخطوة عملية أولى نحو تأسيس منظومة مسرحية جديدة متكاملة تدعم الإنتاج المسرحي بجودة أعلى، والتي سوف توفر للمسرحيين فرصاً أكبر لممارسة النشاط المسرحي بمعايير فنية عالية، كما توفر للمهتمين بالمسرح أعمالاً نوعيّة تعكس ثراء الثقافة السعودية وتنوّع مساراتها الجمالية، وهي إحدى مبادرات وزارة الثقافة لدعم المسرح ودعم الناشطين فيه، باعتباره أحد العناصر الرئيسة في مشروع الوزارة للنهوض بالنشاط الثقافي السعودي بكل اتجاهاته الإبداعية. مسرحية ابن زريق ليمتد الراحل بكر الشدي مسرح الطائف مسرحية ليلة النافلة مسرح الطفل