يبدو أن النظام الإيراني دخل في مواجهة سياسية عنيفة أمام الغرب مجدداً، إذ توحد العالم ضد ملالي طهران، وهذه المرة من نافذة إصدار النظام الإيراني حكما بالإعدام بحق علي رضا أكبري، وهو سياسي بريطاني ومسؤول إيراني سابق يحمل أيضا الجنسية البريطانية بتهمة التجسس لصالح حساب الاستخبارات البريطانية MI6، على حد زعم طهران. وبحسب مسؤولة بريطانية تحدثت ل"الرياض" - شريطة عدم الإفصاح عن اسمها - فإن عملية إعدام أكبري ستضيف مزيدا من الضغوط الغربية على النظام الإيراني وتصعيد وتأزيم العلاقات مع طهران المتوترة أصلا، منذ تعثر المحادثات الرامية لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 وشنت إيران حملة قمع مميتة على المحتجين منذ العام الماضي حتى الآن. وأكدت مصادر مطلعة أن الحكومة البريطانية التي كانت تعتزم تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، إلا أنها أصبحت اليوم بعد إعدام أكبري أكثر قناعة بتحريك الملف بشكل أسرع كرد على إعدام البريطاني أكبري. داونينغ ستريت يراجع خياراته حول الملف النووي وأكد وزير الدولة بوزارة الشؤون الخارجية البريطانية ليو دوكيرتي أمام البرلمان أن بريطانيا تدرس تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية. وقال دوكيرتي خلال مناقشة للوضع في إيران دعا خلالها بعض الأعضاء إلى حظر الحرس الثوري "الدراسة التي تجريها الحكومة في الوقت الراهن لهذه القضية، وهي دراسة تجري بجدية". ويحظى قرار الحكومة المرتقب بدعم وزيري الأمن والداخلية البريطانيين ويأتي هذا القرار بعدما كشف مسؤولون في الاستخبارات عن التهديدات التي تشكلها إيرانلبريطانيا. وكان كين مكالوم، مدير جهاز المخابرات العسكرية البريطانية لفت إلى المخاطر التي تشكلها إيران على بريطانيا في خطاب نادر في نوفمبر الماضي، استعرض فيه عددا من "المؤامرات الإيرانية السابقة ضد بلاده". ومن التحليلات التي تشير إلى اقتراب اتخاذ قرار بريطاني بتصنيف الحرس الثوري ضمن قائمة الإرهاب بعد إعدام أكبري، قيام السلطات الإيرانية باعتقال بريطانيين من أصل إيراني، تتهمهم طهران بأن لهم صلة بالمظاهرات التي شهدتها مدن عدة بالبلاد، وهذا ما دفع رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك لمطالبة طهران بأن تكف عن احتجاز مزدوجي الجنسية، وعدم استخدام هذا الأمر لكسب نفوذ سياسي، إلى جانب ما كشفت عنه "تلغراف" بأن الحرس الثوري تورط في عشر محاولات لخطف أو قتل أشخاص في المملكة المتحدة، العام الماضي. وتؤكد مصادر بريطانية أن إدراج بريطانيا بعد إعدام أكبري الحرس الثوري على قائمة الإرهاب أصبح قاب قوسين. ومن المحتمل أن تحذو العواصم الأوروبية وخصوصا باريس وبرلين لوضع الحرس الثوري في نفس القائمة إذا اتخذت لندن هذا القرار. كما أن مثل هذا القرار سيؤدي لعدم فتح أي حوارات مع طهران في ملفات هامة مثل ملف الاتفاق النووي الإيراني. وأضافت المصادر البريطانية أنه كان يتوجب على إيران أن تقدم لبريطانيا أدلة كافية ووثائق تثبت تجسس أكبري كونه مواطن بريطاني أيضا خصوصا أن إيران باتت تستغل مزدوجي الجنسية لتحقيق مكاسب. كما أن الصحف البريطانية بدأت تضغط على دواننغ ستريت لاتخاذ إجراءات حازمة بحق إيران بعد إعدام أكبري كما يتعرض سوناك لضغوط في هذا الملف بالبرلمان من اليمين واليسار، ويبدو أن واشنطن سعيدة رغم استنكارها الشديد لما حدث في قضية أكبري، لأنها كانت دائما تقول إن الأوربيين يتساهلون مع إيران. وأثار إعدام أكبري، الحليف المقرب للقيادي الايراني علي شمخاني، غضبًا فوريًا من الدول الغربية من لندن، وقال رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك: "كان هذا عملاً قاسياً وجباناً نفذه نظام بربري، لا يحترم حقوق الإنسان لشعبه". وقوبل إعدام أكبري، نائب وزير الدفاع الإيراني في حقبة الرئيس خاتمي، بتنديد دولي واسع حيث وصفت فرنسا ب"العمل البشع والوحشي" فيما أكدت ألمانيا التنسيق مع بريطانيا ضد "النظام الإيراني". وقالت الوزارة "تمّ استدعاء القائم بالأعمال في السفارة الإيرانية في باريس مرة أخرى للتعبير عن استنكارنا" وتحذيره من أنّ "انتهاكات إيران المتكرّرة للقانون الدولي لا يمكن أن تمرّ من دون رد، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بمعاملة مواطنين أجانب تحتجزهم هذه الدولة بشكل تعسّفي". كما استدعت وزارة الخارجية الفرنسية مبعوثا إيرانيا في باريس، للتعبير عما وصفته بالغضب من الإعدام. كما دان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إعدام أكبري واصفا إياه ب "عمل بشع ووحشي". ودانت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إعدام أكبري، ووصفته بعمل غير إنساني من قبل القيادة الإيرانية، وكتبت بيربوك على موقع تويتر: "نقف مع أصدقائنا البريطانيين وسنواصل تنسيق أعمالنا عن كثب ضد النظام، كما سنواصل دعمنا للشعب الإيراني"، ووصفت السفيرة الأميركية في بريطانيا، جين هارتلي، عملية إعدام أكبري ب"المروعة والمثيرة للاشمئزاز"، مؤكدة وقوف بلادها مع لندن في "إدانة هذا العمل الوحشي". ويشير إعدام أكبري، إلى صراع مستمر على السلطة داخل الثيوقراطية الإيرانية، في الوقت الذي تكافح فيه لاحتواء المظاهرات بشأن وفاة مهساء أميني. وزعم بيان مطول صادر عن القضاء الإيراني، أن أكبري حصل على مبالغ كبيرة من المال بالإضافة إلى جنسيته البريطانية، ومساعدات أخرى في لندن لتقديمه معلومات إلى جهاز المخابرات. ويُعتقد أن أكبري، الذي كان يدير مؤسسة فكرية خاصة، قد اعتُقل في عام 2019، لكن تفاصيل قضيته لم تظهر إلا في الأسابيع الأخيرة. وعادة ما تتم محاكمة المتهمين بالتجسس، وجرائم أخرى تتعلق بالأمن القومي، خلف أبواب مغلقة، حيث تقول جماعات حقوقية إنه لا يسمح لهم باختيار محاميهم، ولا يُسمح لهم بالاطلاع على أدلة ضدهم. اعترافات بالإكراه وبثت ال"بي بي سي" الناطقة بالفارسية، رسالة صوتية من أكبري وصف فيها تعرضه للتعذيب. وقال أكبري في التسجيل الصوتي: "باستخدام الأساليب الفسيولوجية والنفسية، كسروا إرادتي ودفعوني إلى الجنون وأجبروني على فعل ما يريدون"، "بقوة السلاح والتهديد جعلوني اعترف بادعاءات كاذبة". ومارست إيران الاعتقالات التعسفية على نطاق أوسع، والاعترافات القسرية والإعدامات ذات الدوافع السياسية. وإيران هي واحدة من أكثر الدول إعدامًا في العالم حيث أعدمت في عام 1984 قائد البحرية الأدميرال بهارام أفضلي مع تسعة عسكريين آخرين بتهمة التجسس لصالح الاتحاد السوفيتي. وتحاول الحكومة الإيرانية منذ شهور الادعاء - دون تقديم أدلة - بأن دولًا أجنبية أثارت الاضطرابات التي تجتاحها منذ وفاة أميني في سبتمبر، بعد احتجازها من قبل شرطة الآداب، ويقول المتظاهرون إنهم غاضبون من انهيار الاقتصاد والشرطة القاسية، والسلطة الراسخة لرجال النظام في البلاد. وخرجت قضية أكبري إلى الضوء، مع إعلان السلطة القضائية في 11 يناير الحالي، عن إصدار حكم بالإعدام بحقه لإدانته بالتجسس، ونشر الإعلام الرسمي الإيراني في اليوم التالي تفاصيل متعلقة بأكبري، مشيرة إلى أنه سبق أن شغل مهمات في وزارة الدفاع والمجلس الأعلى للأمن القومي. وكان قد طلب من عائلة أكبري الأربعاء الماضي زيارته "للمرة الأخيرة" في سجنه، وقالت زوجته إن أكبري نقل بعدها إلى الحبس الانفرادي. واعتقل أكبري، الذي شغل سابقا منصب نائب وزير الدفاع الإيراني، في عام 2019 وأدين بتهمة التجسس لصالح بريطانيا وهي التهمة التي نفاها. ودعمت وزارة الخارجية البريطانية عائلة أكبري، وأثارت قضيته مرارًا وتكرارًا مع السلطات الإيرانية. وقد طلبت الوصول القنصلي العاجل إليه، لكن الحكومة الإيرانية لا تعترف بالجنسية المزدوجة للإيرانيين. وتدهورت العلاقات بين إيرانوبريطانيا في الأشهر الأخيرة، منذ أن فرضت لندن عقوبات على شرطة الآداب الإيرانية وشخصيات أمنية أخرى بارزة، ردًا على حملة القمع العنيفة التي شنتها طهران على المتظاهرين المناهضين للحكومة، وسياقي إعدام أكبري يلقي بظلاله على شمخاني المعروف بقربه للغرب. ويبدو أن الإعدام سيضيف مزيداً من الضغوط على علاقات إيران المتوترة منذ فترة طويلة مع الغرب، وهي علاقات تدهورت بشكل أكبر منذ تعثر المحادثات لإحياء الاتفاق النووي، وبعد أن شنت إيران حملة قمع على المحتجين على وفاة الشابة الكردية مهسا أميني، في سبتمبر الماضي، على إثر توقيفها من قبل "شرطة الأخلاق" في طهران. وتعد بريطانيا طرفاً رئيسياً في المحادثات النووية التي تستهدف إحياء الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى، لكن مصادر في الحكومة البريطانية قالت إن "المشهد تغيّر بشكل كبير منذ بدء عملية التفاوض. لافتة إلى أن لندن تراجع الآن خياراتها فيما يتعلق بالمشاركة مستقبلاً في الاتفاق". وقالت مصادر بريطانيا أنه بعد إعدام أكبري فإن موقف لندن سيتغير جذريا حيال المفاوضات النووية مع إيران وستغيّر المشهد والمعطيات بشكل كامل، بسبب سلوك النظام الإيراني"، فيما أشار داونينغ ستريت، إلى أن "جميع الخيارات قيد المراجعة" بعد إعدام أكبري. وواجهت إيران اتهامات باستخدام المحادثات كغطاء أثناء تكثيف العمل على برنامجها النووي، في محاولة ل"تطوير سلاح نووي"، وهي التهمة التي تسببت في جعل جولات المفاوضات في فيينا بشكل متقطع، ما أثار شكوكاً لدى المسؤولين البريطانيين بأن طهران "لم تكن تتصرف بحسن نية". وتواصلت الإدانات في إيران والعالم ضد إعدام المتظاهرين على خلفية الاحتجاجات المتواصلة في أنحاء البلاد، حيث تشهد إيران منذ 16 سبتمبر تظاهرات إثر وفاة مهسا أميني. وقتل المئات، بينهم عشرات من عناصر قوات الأمن، خلال الاحتجاجات التي تخللها رفع شعارات مناهضة للسلطات. كما تم توقيف الآلاف على هامش التحركات التي يُعتبر مسؤولون إيرانيون جزءا كبيرا منها بمثابة أعمال شغب يقف خلفها أعداء البلاد على حد قولهم. ويمضي مسار الحركة الاحتجاجية التي أسبوعها السابع عشر، حصلت تظاهرات في قلب العاصمة طهران، ولا تزال تُرسم على الجدران الشعارات المناهضة لخامنئي التي تطلب "الموت للديكتاتور" وما زالت تصدح الحناجر من الشُرفات ليلاً ضد "قاتل الأطفال". علي رضا أكبري غضب إيراني من الملالي وفسادهم وطريقة إدارتهم للبلاد