كما لم يحدث منذ عقود على أرض الواقع، بخلاف ما يجري منذ سنوات في عالم افتراضي، توحدنا، التأمنا، تلاحمنا، كنّا أكثر من 450 مليون جسد بقلب واحد، أمنية واحدة، ودعاء موحّد بهدف في الشباك لهدفٍ في القلوب. عكس ما نظن أو كنّا نعتقد استكشفنا واكتشفنا وتأكدنا أننا نحب بعضنا، نعشق جسدنا الكبير ولا نرضى بديلا لأخوّتنا وعروبتنا، أصلنا الأصيل وعرقنا النبيل، بلا استعلاء، وإرثنا العريق. آآآه يا لجمال مونديال قطر 2022، يوم الافتتاح كنّا نزهو بالنيابة عن القطريين، نحتفل بهم ولنا، كنّا هم، قطريون أكثر منهم، احتفلنا بنجاحنا لا نجاحهم، تداخلت مشاعرنا غبطة بالتنظيم والهوية والعزوم الواثقة القوية في عرض قيمنا وثقافتنا ورفض كل ما يخالف فطرتنا، كان الفرح غامرا بكل شيء. يوم الثلاثاء 22 نوفمبر سدد سالم الدوسري في الدوحة فارتجّت شوارع في القاهرة، سجل في الأرجنتين فدوّت صرخات في البحرين، تشقلب في ملعب لوسيل فطار مواطن سوداني هادئ الطباع ورمى عمامته، سجلت السعودية فرقصت سورية، انتصر منتخب فاحتفل شعب عظيم في الجزائروتونس والمغرب، أطلق الحكم صافرته فانطلق نشامى الأردن يوزعون الحلوى، حصد فريق عربي النقاط الثلاث فخرج شباب فلسطين في مظاهرة فرح، تصدر اسم عربي مجموعته فضج الحب في كل بيت من موريتانيا إلى مسقط إلى الكويت، أشار النقاد له بالبنان فدبك شباب ضاحية لبنان، غنت الجماهير فترنّم كل وجداني بقصيدة هشام الجخ الشهيرة التي توجته أميرا للشعراء، قصيدة التأشيرة التي كتبها بدمه وألقاها بقلبه. في خضم كل هذا الفرح لم نكن نبحث عن النقاط الثلاث أو الصدارة أو حتى مستوى مشرف في البطولة، كان كل مواطن عربي يبحث عن أخيه، عن نفسه، نبحث عن فرحة تجمعنا، نجاح يوحدنا بعد سلسلة طويلة من الخيبات والإحباطات والإخفاقات على كل المستويات، ولو كان نجاحا في لعبة. نعم أنا سعودي، لكن فرحتي بمشاهد الفرح في عواصم العالم العربي كانت أعظم ألف ألف مرة من شعوري تجاه فوز منتخب بلادي المدوي على الأرجنتين بطلة العالم والإشادات العالمية التي تلقاها، مع ما لذلك من آثار مهمة على مختلف الصُعُد، تأكد عندي هذا الشعور بعد فوز المغرب على بلجيكا، وزايلتني أية ذرة شك في أن فرحتي خاصة ببلادي عندما هزمت تونسفرنسا، تأكد لي أننا كنّا جميعا نبحث عن شيء يوحد مشاعرنا يرقق ويقرّب قلوبنا، وأن أي عوالق سلبية شكلتها فئة معينة تجاه بعضنا باستخدام وسائل التواصل أو قنوات الفضاء ليست سوى هشيما تذروه زفرة واحدة احتفالا بهدف ولهدف. استمر التفوق المغربي فتسمرنا خلف هذا المنتخب الشاب، هزم إسبانيا ثم البرتغال وحل رابعا في المونديال فاحتل قلوبنا وحللنا في كل بيت مغربي أهلا لا ضيوفا، نصفق لهم ومعهم، نبتهج بهم ولهم، صرنا جسدا واحدا في أحد عشر قميصا، نجري بأقدام حكيمي وزياش ونسدد برأس النصيري يوسف الذي ارتقى شامخا فوق الرؤوس فحَمَلَنا معه حلما عربيا واحدا وسجل هدفا برأس 450 مليون عربي. الوحدة المشاعرية التي دثّرتنا خلال مونديال قطر أعطتني شعورا بالدفء في زمهرير كندا، حيث أنا، كنا مغربيا وفلسطينيا وأردنيا وسوريا ويمنيا وسعوديا على طاولة واحدة نحتفل في اليوم التالي لانتصار السعودية، كان صديقي حسن الفلسطيني من أقام الوليمة لا أنا، كان سعيدا بما حدث داخل الملعب أكثر مني، وكنت، كما أظن، أسعد شخص في العالم بما حدث في الشوارع، المقاهي، الديوانيات، المنازل والشرفات، فمسيرات الفرح التي شهدناها بعد كل انتصار عربي جعلتني مطمئنا أن الجسد الواحد لا يزال متماسكا والمصير الواحد باقٍ والدم لا يستحيل حبرا، كيف لا والعلم الفلسطيني رفرف في كل مكان والشال طوق معظم الأعناق والشارة تلتف على العضد إشارة معاضدة ودعم ومآل مشترك، كيف لا ومراسل إحدى القنوات ينبذ ولا يجد من يقبل إجراء مقابلة معه انتصارا لقضيتنا الأولى والدائمة فلسطين، كيف لا يتلبسني هذا الشعور وميسي يلبس البشت العربي. في افتتاح مونديال قطر حضر صاحب السمو الملكي محمد بن سلمان حفل الافتتاح يدا بيد مع أخيه الأمير تميم، وخلال المونديال زار محمد بن زايد الدوحة، في نوفمبر وديسمبر الماضيين كنّا أقرب ما نكون لبعضنا، فليت أيامنا كلها مونديال وليت كل تسديداتنا تعانق الشباك فنسجل هدفا سياسا واقتصاديا واجتماعيا، نقف كتفا لكتف كفا بكف ونردد أبيات فخري البارودي: بلاد العرب أوطاني وكل العرب إخواني، فهل أحلم!!؟ هل كنتم في المونديال وكنت في المونخيال!!!؟ *صحافي سعودي