لا يمكن قراءة مخرجات القمم الثلاث (السعودية والخليجية والعربية الصينية)، التي استضافتها أرض القمم، المملكة العربية السعودية والتي أذهلت وأبهرت العالم، وما زالت أصداؤها في الإعلام الغربي والعربي حتى اليوم، بدون استقراء حالة نظام الملالي الهشة والمرتبكة، في مرحلة ما بعد هذه القمم الثلاث، والأوضاع الاقتصادية المتأزمة، فضلاً عن استمرار الاحتجاجات العارمة، التي تشهدها المدن الإيرانية، وتهالك النظام الإيراني، وتآكل بيت المفسد الأعلى الإيراني من الداخل، إلى جانب موقف بكين الحازم من البرنامج النووي الإيراني، الذي لم يتغير، إذ عارضت بكين، منذ اليوم الأول، تحوّل إيران إلى قوة نووية انطلاقاً من مبدأ رفض السباق النووي في الشرق الأوسط، وتعاظم هذا الموقف بعد القمم الثلاث بقوة. القمم الثلاث ليست موجهة ضد أحد وتهدف لإحلال السلام مكان الحروب بيانات القمم أرعبت طهران ومن الأهمية بمكان استقراء البنود المتعلقة بإيران والتي جاءت في البيان المشترك السعودي - الصيني، وفي البيانيين الختاميين للقمة الخليجية الصينية والقمة العربية الصينية، وفهم المضامين الجيوسياسية للموقف الصيني، المتطور والداعم للموقف السعودي والخليجي والعربي، ضد نظام الملالي، المرعوب، والذي أضحى أكثر انعزالاً اليوم إقليمياً وعالمياً، أكثر من إي وقت مضى. تحذيرات بعدم التدخل خصوصاً أن البيان الختامي للقمة الصينية الخليجية والعربية، أكد على ضرورة دعم معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل في منطقة الخليج، وضمان الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني، حفاظاً على الأمن والاستقرار إقليمياً ودولياً، إلى جانب دعوة إيران للتعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وكون دول الخليج والصين تبنوا، مبدأ الحوار وعدم التدخل كسياسة راسخة في المنطقة. أكد الجانبان على ضرورة أن تقوم العلاقات بين دول الخليج والعربية وإيران على اتباع مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام استقلال الدول وسيادتها وسلامة أراضيها، وحل الخلافات بالطرق السلمية، وفقاً لميثاق الأممالمتحدة والقانون الدولي، وعدم اللجوء إلى استخدام القوة أو التهديد بها، والحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي. رسالة مشتركة وهذه حتما رسالة صينية خليجية مشتركة، إن زمن استخدام القوة التهديد بها سواء، قبل القمم، أو بعد قد ولّى وان الحوار هو الوسيلة الوحيدة لحل القضايا المعلقة. أمن الخليج كل يتجزأ وجاء تأكيد البيان الخليجي الصيني على أن أمن دول المجلس "كل لا يتجزأ"، وفقاً لمبدأ الدفاع المشترك ومفهوم الأمن الجماعي، ورفض الأنشطة الإقليمية المزعزعة. وأيضاً تأكيد القادة على أهمية الحوار الشامل بمشاركة دول المنطقة لمعالجة الملف النووي الإيراني، والأنشطة الإقليمية المزعزعة للاستقرار، كموقف حازم وثابت غير قابل للتغيير حيال أمن الخليج والذي أضحى جزء لا يتجزأ من أمن الصين، فضلا عن ضرورة التصدي للجماعات الإرهابية والطائفية والتنظيمات المسلحة غير الشرعية، ومنع انتشار الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، وضمان سلامة الملاحة الدولية والمنشآت النفطية، والالتزام بالقرارات الأممية والشرعية الدولية. 5استنكار دعم الحوثي وهذا يعد تحذير لنظام طهران لوقف دعم الميليشيات الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران بالأسلحة والصواريخ البالستية، فضلاً عن عدم تزويدها بالطائرات المسيرة التي كانت تطلقها الميليشيا على المناطق المدنية في المملكة وضمان سلامة الملاحة الدولية والمنشآت النفطية. لا للميليشيات الطائفية ولم تكتفِ البيانات الختامية بذلك بل مضت بالتنديد باستمرار إيران في دعم الجماعات الإرهابية، والميليشيات الطائفية ورفض تدخلات إيران في الشؤون الداخلية لدول المنطقة. رفض استخدام القوة وظهر موقف الصين المتعاظم في دعم جهود دول المجلس لحماية سيادتها ووحدة أراضيها والحفاظ على أمنها واستقرارها والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية، واحترام مبدأ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وهو الذي، أكد عليه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بضرورة التزام إيران بمبدأ حسن الجوار، وبالمواثيق الدولية. النظام الطائفي معزول تماماً معارضة التدخل في شؤون للمملكة وتضمن البيان السعودي الصيني المشترك، عبر الجانب الصيني عن دعمه للمملكة في الحفاظ على أمنها واستقرارها، وأكد معارضته بحزم أي تصرفات من شأنها التدخل في الشؤون الداخلية للمملكة، ورفض أي هجمات تستهدف المدنيين والمنشآت المدنية والأراضي والمصالح السعودية. الخليج خط أحمر وهو الذي وصفه مراقبون سعوديون وعرب أنه وضع النقاط على الحروف حيال أمن المملكة، كونه أضحى خطاً أحمر للصين، حيث أكد الرئيس الصيني، شي جينبينغ أن بلاده ستواصل دعمها الثابت لأمن دول الخليج واستيراد النفط بكميات كبيرة من دول الخليج. عزلة إقليمية وأشار المراقبون إلى أن طهران مرعوبة لتعضيد العلاقات الصينية الخليجية رغم إن هذه الشراكة ليست ضد أحد، كون ذلك يكرس انعزالها في المنطقة والمحيط والإقليم، خصوصا إن الإدارة الديموقراطية الأميركية فشلت في إحياء اتفاق الملف النووي الإيراني والذي تراهن عليه طهران، هذا الاتفاق الذي مازال يراوح مكانه. صدمة كهربائية لقد انتهت القمم الثلاث لكن تداعياتها ما زالت حاضرة في دوائر الحرس الثوري الإرهابي المرعوب والمرشد المهزوم. فمنذ الجمعة الماضية وحتى الآن شكلت البيانات الختامية للقمم حالة من الصدمة الكهربائية والذهول للنظام الإيراني، رغم أن بيانات القمم الثلاث أبرزت ضرورة الحوار وحل القضايا بالوسائل والبعد عن التدخلات وعدم استخدام القوة. وهذه القواعد ضمن الأعراف الذي كفلها القانون الدولي ومبادئ الأممالمتحدة، ولم يكن طرحاً جديداً حيث توالت ردود الأفعال على شبكات التواصل الاجتماعي الإيراني، مستغرب وغاضب ومرتعد. تحفظات صينية ولدى الصين تحفظات كثيرة على قيام طهران تطوير ميناء تشابهار على الضفة الشمالية من المياه الخليجية وممر الحزام والطريق بالدخول بالشراكة مع الهند لضرب مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني في ميناء جوادر والذي يقع قبالة ميناء تشابهار الإيراني. ووصفت مصادر إيرانية مستقلة أن الموقفَ الصيني يعد صفحة جديدة في مجال الجغرافيا السياسية والاقتصاد في المنطقة، خاصة في ما يتعلق بمستقبل علاقاتها، مع إيران على ضوء القمم الثلاث وإصدار بيانات حازمة حيال إيران. رغم التباين المعتاد في إيران بشأن سياسة التوجه شرقا وعلاقات طهران مع بكين، إلا أن سياسات العدوانية الإيرانية، خربت علاقاتها مع القوى الشرقية وعزلتها عن القوى الغربية، على السواء، فيما عدا واشنطن التي فقدت بوصلتها السياسية الخارجية. حاجة بكين للطاقة ويرى باحثون إيرانيون مستقلون، إن التقارب الصيني الخليجي يأتي من زاوية حاجة بكين المتزايدة إلى الطاقة، وخشية الصين من دخول الولاياتالمتحدة على خط عرقلة تدفق البترول نحو شرق آسيا فضلاً عن تنمية وازدهار المنطقة. بيئة استثمارية أكثر أمانًا وليس هذا فحسب، بل إن إمكانية حصول الصين على بيئة استثمارية خليجية أكثر أمانًا، من إيران التي تواجه الاحتجاجات، وحالة عدم استقرار سياسي وأمني، وكون الاستثمار في الدول الخليجية، يعد ممرًّا اقتصاديًّا آمنا بكل المعايير للصين مقارنة بإيران المضطربة والمتزلزلة. تنويع التحالفات وترى أوساط عربية إن تقوية العلاقات بالشرق، تتزامن مع تقارير متعددة تتحدث عن انضمام دول عربية إلى مجموعة بريكس التي تتضمن الصين وروسيا والهند وجنوب إفريقيا والبرازيل، وقد ارتفعت أسهم «مجموعة بريكس» في الآونة الأخيرة إعلامياً بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وأضحت عدة دول تبحث عن الانضمام إلى تكتل يحقق نوعاً من القطبية الاقتصادية، خصوصاً مع بحث الصين عن شركاء داعمين لها، وتفضيل مجموعة من الدول إبقاء علاقاتها قوية مع الصين. وفي العام الماضي، مُنحت المملكة صفة مراقب في منظمة شنغهاي للتعاون، وهي مجموعة أمنية دولية بقيادة الصين تركز في الأصل على آسيا الوسطى ولكنها تتوسع الآن نحو الشرق الأوسط. مركز الثقل السياسي في سياق الحديث عن ملامح السياسة الخارجية موازين القوى تغيرت ومركز الثقل الجيوسياسي بدأت دول الخليج عمليا الانتقال صوب الشرق. دعم الصناعات غير النفطية ومن المتوقع أن تلعب الصين دوراً مهماً في النمو المستمر للصناعات غير النفطية في دول مجلس التعاون، كونها قوة صناعية عظيمة وورشة الإنتاج العالمي التي جعلت كل شيء في متناول اليد تحت شعار صنع في الصين "التي تعتمد سياسة إرضاء الجميع وتقدم شراكات تنموية تمويلية اقتصادية، خالية من الضغوط السياسية، وبعيدة عن كل صراعات الإقليم وحروبه". بناء الثقة بدأت الصين التوجه الصامت نحو الشرق الأوسط مع بداية الألفية، وراهنت على تدعيم الثقة أولاً مع الدول العربية، ثم الدخول من بوابة الاستثمار والتعاون الاقتصادي التي لا تفشل أبداً. في سياق القمة الأخيرة، يمثّل نجاح القمم في تحييد الصين عن إيران، وتوقيع عدة اتفاقيات إستراتيجية في مجال الطاقة والتكنولوجيا، تحولًا نوعيًّا وجد صداه داخل أروقة صنع القرار النظام في إيران، التي رأت من القمة العربية الصينية، محاولة عربية جادّة لفرض مزيد من العزلة على إيران، وما يزيد من الخشية والرعب الإيراني هو أن توقيت القمّة يأتي مترافقًا، مع تصاعد حدة الاحتجاجات الداخلية التي دخلت في شهرها الرابع وعزلتها العالمية والإقليمية فضلا عن وصول الوضع الاقتصادي لمرحلة الحضيض. المحصلة هي إن القمم الثلاث ليست موجهة ضد أحد. وتهدف لإحلال التنمية مكان الحروب والسلام محل الصراعات.