جاءت أرقام ميزانية المملكة للعام الجاري، حاملة معها تباشير الخير الوفير، ومعها ملامح الأمل والتفاؤل في غد مشرق ومزدهر، ينعم فيه كل مواطن ومواطنة برفاهية العيش في كنف دولة قوية وراسخة، صنعت لنفسها كل مقوقات الاستدامة والتمكين، من خلال تطلعات رؤية 2030 التي تستحق اليوم أن التدويل والانتشار، بعدما أثبتت نفسها على أرض الواقع. وعندما تحقق الميزانية فائضاً يتجاوز 100 مليار ريال للمرة الأولى منذ تسع سنوات، فهذا يشير إلى أن المملكة نجحت وباقتدار في إعادة صياغة اقتصادها الوطني من جديد، ويشير أيضاً إلى الجدوى الكبرى من برامج رؤية 2030 وقدرتها على الإيفاء بما وعدت به من بناء اقتصاد، يعتمد على تنويع مصادر الدخل، واستحداث مجالات استثمار جديدة، لم تنل حقها من الاهتمام في سنوات ماضية. ولا يمكن أن نفصل بين مزايا الميزانية وأرقامها الضخمة، وبين الإصلاحات الاقتصادية والمالية الشاملة التي جاءت بها الرؤية من أجل مواصلة دفع عجلة النمو، متجاوزة كل التحديات الاقتصادية والجيوسياسية المختلفة التي تواجه اقتصادات العالم والتي قد تؤثر -بالتالي- على مسار نمو الاقتصاد المحلي وآفاقه المستقبلية. لا شك أن السياسة الاقتصادية للمملكة خلال سنوات الرؤية كانت مثالية في كل شيء، وظهرت المثالية في تعامل المملكة الإنساني مع جائحة كورونا على مدار 3 سنوات متواصلة، في الوقت نفسه كان برنامجها الاقتصادي يسير في مساره الصحيح، وفق جدوله الموضوع سابقاً، وهو ما أثمر اليوم عن تقدم ملحوظ في مجالات الاقتصاد، أشادت به المنظمات الدولية على مدار السنوات الماضية. وتشير أرقام الميزانية الضخمة، إلى حرص الدولة على مواصلة جهودها الاعتيادية في تنفيذ المشاريع الكبرى والمبادرات المعلنة سابقاً، مثل برامج التحول الوطني، وجودة الحياة، وخدمة ضيوف الرحمن، ومبادرة السعودية الخضراء، التي من شأنها تحقيق تغيرات هيكلية إيجابية، تنعكس على مستوى جودة حياة المواطنين والمقيمين والخدمات المقدمة لهم، وتشير أيضاً إلى الثقة الزائدة في النفس، بمواصلة الصرف والإنفاق، مع ضمان الدخل وتحقيق فوائض مالية. ويأتي تعزيز دور الاستثمار الخاص من أولويات الدولة، من خلال مواصلة الجهود المبذولة في الاستراتيجية الوطنية للاستثمار، بإطلاق المبادرة الوطنية لسلاسل الإمداد العالمية «مبادرة جسري» وإصدار نظام الاستثمار الجديد، وتستهدف رؤية 2030 أن تصل مساهمة الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 5.7 % من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بنسبة 2.3 % من الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2021م. وأثناء الحديث عن الميزانية، لا يمكن أن نتجاهل الحديث عن الأداء الإيجابي فيما يخص مؤشرات سوق العمل، وتراجع معدل البطالة الإجمالي إلى 5.8 % في الربع الثاني من العام نفسه، كما انخفضت معدلات البطالة للسعوديين لتصل إلى 9.7 % مقابل 10.1 % في الربع الأول من نفس العام وهو أقل معدل بطالة منذ عقدين، ويُعود التراجع المستمر في معدل البطالة بين السعوديين إلى جهود خطط برنامج التوطين. وكما عودتنا الحكومة الرشيدة، في الوقوف بجانب المواطن، تضمنت الميزانية تخصيص نحو 20 مليار ريال، لمواجهة تداعيات ارتفاع الأسعار العالمية، نصفها سيذهب لمستفيدي الضمان الاجتماعي وبرنامج حساب المواطن، و9.6 مليارات ريال لزيادة المخزونات الاستراتيجية من المواد الأساسية. هذا المشهد يؤكد قوة الاقتصاد المحلي، وقدرته على تلبية احتياجات المواطن، في وقت يئن فيه العالم من وطأة التراجع الاقتصادي.