بنتائج فاقت التوقعات وبفائض فصلي، أكدت أرقام وبيانات الربع الثالث دلالات عملية لقوة أداء الميزانية العامة ، ونجاح مسارات التنمية والاقتصاد المستدام في تنويع مصادر الدخل، غير النفطية التي باتت تسهم فيها كافة القطاعات، وكذلك ما شهدته الإيرادات النفطية من تحسن كبير، فيما تتمتع المملكة باحتياطيات مالية قوية، تعزز تصنيفها الائتماني المتقدم، لما توفره من استقرار متين ومرونة للاقتصاد الوطني، وهو ما أجمعت عليه العديد من وكالات التصنيف الائتماني العالمية. أولى دلائل قوة الأداء المالي للميزانية، نمو الإيرادات للربع الثالث لأكبر اقتصاد عربي وأحد أكبر الاقتصادات العشرين عالميا، متجاوزة 243.4 مليار ريال مقابل حجم الإنفاق لنفس الفترة بلغ 236.7 مليار ريال، وتحقيق أول فائض منذ ثلاث سنوات قدره 6.7 مليار ريال ، وتراجع عجز الموازنة من 40.77 مليار ريال خلال الربع الثالث من العام الماضي 2020 ، إلى 5.4 مليار ريال منذ بداية 2021 ، ولم يتم المساس بالحساب الجاري أو الاحتياطات الحكومية لتمويله. معطيات نمو موارد الميزانية ، أشارت إليها البيانات الفصلية الأخيرة عن أشهر (يوليو ، أغسطس ، سبتمبر) والتي سجلت الإيرادات النفطية خلالها 147.9 مليار ريال (39.44 مليار دولار) وحققت خلال التسعة الأشهر الأولى 396.7 مليار ريال، كما بلغت الإيرادات غير النفطية 299.5 مليار ريال ، فيما نمت إيرادات الموازنة الإجمالية خلال الفترة ذاتها 13 % على أساس سنوي. الاقتصاد المستدام هذه الأرقام تعكس السياسة الاقتصادية الحكيمة في استمرار تعزيز إسهامات مختلف القطاعات غير النفطية في الموارد العامة وما تشهده من تعظيم لاستدامتها ولقيمتها المضافة ، وفي مقدمتها الصناعة والتعدين بمختلف أنشطتها ونمو الصادرات ، والقطاع المالي متسارع التطور ، والاقتصاد الرقمي، والسياحة والترفيه وقطاعات الخدمات اللوجستية. والمتابع لبيانات وتقارير وزارة المالية عن مراحل الميزانية ، يرصد بوضوح دقة التوقعات لمعدلات النمو في المملكة ، التي فاقت أحيانا توقعات مؤسسات مالية واقتصادية دولية وكذلك وكالات تصنيف عالمية حرصت على تصحيح توقعاتها لأداء الاقتصاد السعودي ، مما يعكس كفاءة السياسة الاقتصادية والمالية المحكمة للمملكة ، وفي هذا السياق جاءت توقعات وزير المالية محمد الجدعان، في تصريح على هامش مشاركته في قمة مجموعة الدول العشرين في روما مؤخرا ، بأن يحقق الاقتصاد غير النفطي السعودي نموا خلال العامين الحالي والمقبل بنسبة 5 %، واستقطاب المملكة لاستثمارات أجنبية كبيرة مقارنة بالسنوات السابقة. خارطة الاستثمار والحديث عن الاستثمارات ، نعود قليلا إلى نتائج النصف الأول نجد أن الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي وفق البيانات الرسمية ، حقق نموا بنسبة 5.4٪، كما نما القطاع الخاص بنسبة 7.5٪، متجاوزاً مستويات ما قبل الجائحة ، في مؤشر قوي على تنامي دوره وارتفاع معدلات الاستثمار في قطاعات عديدة بالمملكة. ومن الركائز الأساسية الدور القوي لصندوق الاستثمارات العامة في المشاريع التنموية الضخمة ومدن المستقبل ، واستهدافه ضخ نحو نحو 150 مليار سنويا في الاقتصاد الوطني ، وهو ما أعلنه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ، حفظه الله ، بأن السعودية ستشهد خلال السنوات المقبلة قفزة في الاستثمارات، بواقع 3 تريليونات ريال تراكميا يقوم بضخها صندوق الاستثمارات حتى عام 2030، إضافة إلى 4 تريليونات ريال تحت مظلة الاستراتيجية الوطنية للاستثمار. وتكاملا مع هذا الدور الكبير للصندوق السيادي ، تمتلك الشركات السعودية قدرات مالية قوية للاستثمار في العديد من المجالات الواعدة التي توفرها مستهدفات رؤية 2030 للتنمية الحديثة والاقتصاد المستدام ، إلى جانب برنامج الخصخصة ، وكذلك الدفعات القوية التي يحققها برنامج "شريك" الذي سبق وأطلقه سمو ولي العهد بهدف تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص ، ودعم الشركات المحلية، وتمكينها للوصول إلى حجم استثمارات محلية تصل إلى 5 تريليونات ريال، بنهاية عام 2030″ ، ووصول المملكة لقائمة أكبر 15 اقتصاداً على مستوى العالم أيضا ما صرح به وزير الاستثمار المهندس خالد الفالح ، بأنه "لن يتفاجأ إذا وصل الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 100 مليار دولار سنويا قبل عام 2030 ". هذه الاستثمارات الضخمة المتنامية والمستهدفة تجد أبوابا مشرعة في طموحات الرؤية السعودية التي تضع بصماتها القوية في التطوير السياحي غير المسبوق الماثل في العلا ومشروعات نيوم والقدية والبحر الأحمر وتطوير منطقة عسير والسودة وغيرها من مشاريع السياحة والتنافسية في جودة الحياة والذكاء الاصطناعي والرقمنة. وعلى ضوء الأداء المالي والاقتصادي القوي للمملكة وشفافية البيانات الدورية للميزانية العامة، أشادت تقارير وكالات التصنيف العالمية بالإجراءات والسياسات التي اتخذتها الحكومة للانتعاش الاقتصادي القوي، وتنويع الاقتصاد ، وتوفير مئات الآلاف من فرص العمل بمختلف القطاعات القائمة منها والجديدة ونمو إسهاماتها الاقتصادية التي تصب في رفع معدلات النمو العام للناتج المحلي الإجمالي هذا العام وتاليه من سنوات الخير والازدهار.