يصادف يوم الغد الجمعة الأول من برج الميزان الموافق للثالث والعشرين من شهر سبتمبر الجاري، حلول مناسبة وطنية عظيمة على المملكة العربية السعودية وشعبها الهُمام الأبي، وهي مناسبة اليوم الوطني المجيد الثاني والتسعين للمملكة تحت شعار "هي لنا دار". في هذا التاريخ من كل عام تستذكر المملكة وشعبها الجهود العظيمة والجبارة التي بذلها المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (طيب الله ثراه) في سبيل توحيد أجزاء الدولة السعودية الحديثة المترامية الأطراف تحت لواء التوحيد وعبارة الشهادتين "لا إله إلا الله محمد رسول الله" لتصبح المملكة العربية السعودية. المملكة العربية السعودية تحتفل بيومها الوطني هذا العام وهي تَرفل بنعمة الأمن والأمان والنمو والازدهار الاقتصادي، فهي تستقبل عيدها الوطني هذا العام، وهي تسجل نجاحات اقتصادية غير مسبوقة في العصر الحديث، عكستها مؤشرات ومعدلات اقتصادية أيضاً غير مسبوقة في ظل تحديات ومتغيرات اقتصادية، لم يشهدها العالم منذ أكثر من سبعة عقود بنهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945. لعل من بين أبرز تلك التحديات، تداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد، التي اشتدت ذروتها في شهر مارس من العام 2020، تاركة خلفها كارثتين عالميتين مدمرتين للصحة العالمية وللاقتصاد الدولي معاً، حيث تسببت في إزهاق الملايين من الأرواح البريئة على مستوى العالم وكذلك في حدوث هزة اقتصادية عالمية، تسببت في تراجع معدلات النمو الاقتصادي بجميع دول العالم بلا استثناء، بما في ذلك بالمملكة العربية السعودية. ولكن وعلى الرغم من ذلك التراجع في الأداء الاقتصادي للمملكة خلال عام الجائحة، إلا أن اقتصادها سرعان ما تَمكن من التقاط أنفاسه واستعادة قوته بمجرد أن بدأ يُظهر العالم التعافي التدريجي من تداعيات الجائحة. اقتصاد المملكة، أثبت بجدارة وتفوق قدرته على تجاوز محنة الجائحة وتداعياتها، والتي تزامنت مع تراجع حاد في أسعار النفط العالمية بالإضافة إلى الطلب العالمي على الكميات، ما تسبب في حدوث ضغط كبير جداً على الاقتصاد السعودي والمالية العامة للدولة في آن واحد، كون أن الاقتصاد لم يتعرض لمشكلة واحدة فقط، بل لمشكلتين في وقتٍ واحد بسبب التراجع في الطلب على كميات النفط والانخفاض الشديد في الأسعار. ولكن وعلى الرغم من ذلك تمَكنت الحكومة السعودية من التغلب على تداعيات الجائحة، ليبدأ الاقتصاد السعودي رحلة التعافي منذ العام الماضي، والتي تعززت بالأداء الإيجابي للاقتصاد هذا العام، بتسجيل المملكة لفائض مالي بالميزانية العامة للدولة تجاوز التوقعات، حيث سجلت الميزانية العامة للدولة فائضاً مالياً قدره 135.4 مليار ريال للنصف الأول مقارنة بفائض مالي مقدر لكامل العام بمبلغ 90 مليار ريال. ووفقاً للبيان الأخير الصادر عن صندوق النقد الدولي الخاص بمشاورات المادة الرابعة، توقع الصندوق نمو إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بنسبة 7.6 % في العام الحالي، ونمو القطاع غير النفطي بنحو 4.2 %، وزيادة فائض الحساب الجاري إلى 17.2 % من الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك احتواء التضخم الكلي عند 2.8 % في المتوسط. كما وأوضح معالي وزير المالية الأستاذ محمد بن عبدالله الجدعان، في كلمته التي ألقاها بمناسبة افتتاح أعمال مؤتمر "يوروموني السعودية 2022" الذي نظمته مؤسسة يوروموني العالمية بالشراكة مع مؤتمر القطاع المالي، تحت شعار: "مأسسة الاستثمار والتمويل"، أن اقتصادنا الوطني حصد المزيد من النتائج الإيجابية كنتيجة للإصلاحات الشاملة التي شهدتها بلادنا على مدى السنوات الماضية؛ تحقيقاً لمستهدفات برامج رؤية المملكة 2030، ما مَكمن الاقتصاد الوطني أن يخرج أقوى من أي وقت مضى، حيث قد نما الاقتصاد غير النفطي بنسبة 5.4 ٪ في الربع الثاني من عام 2022 بالقيمة الحقيقية مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق، كما ونما الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 11.8 %. وفي تقرير حديث صدر عن وكالة ستاندرد آند بورز العالمية، أكد على تصنيف المملكة الائتماني السيادي طويل وقصير الأجل بالعملة المحلية والأجنبية عند A-/A-2 مع نظرة مستقبلية إيجابية، مؤكداً في نفس الوقت على النظرة المستقبلية الإيجابية التي تعكس قوة نمو الناتج المحلي الإجمالي والسياسات المالية القوية على خلفية نجاح المملكة للخروج من آثار تداعيات وباء فيروس كورونا، واستمرارية عمل برامج الإصلاحات الحكومية، إضافة إلى النمو المتزايد للاقتصاد غير النفطي. ونتيجة لذلك توقعت الوكالة أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي للمملكة إلى أعلى مستوى منذ عشرة أعوام ليصل إلى 7.5 بالمئة في عام 2022، مع تحقيق فائض مالي متوقع في الميزانية بحوالي 6.3 %. أخلص القول؛ أن المملكة تحتفل بيومها الوطني المجيد الثاني والتسعين، وهي تثبت لنفسها وللعالم قدرتها على مواجهة الصدمات والتعامل مع التحديات، بفضلٍ من الله عز وجل ومن ثم بفضل نجاح الجهود الحكومية الرامية إلى تحفيز النمو الاقتصادي وتفعيل أدوات الدعم للمواطنين والقطاع الخاص على حدٍ سواء، إيماناً من الحكومة بأهمية مواصلة الإصلاحات وتوسيع القاعدة الاقتصادية، لينعم المواطن في اليوم الوطني المجيد وفي غيره من الأيام برفاه العيش وبالحياة الكريمة. أسأل الله العظيم أن يعيد علينا يومنا الوطني المجيد أعواماً عديدة، وبلادنا تنعم بنعمة الأمن والأمان تحت مظلة القيادة الرشيدة، لتستمر بلادنا في التقدم والازدهار والعطاء وليستمر اقتصادنا في التجدد والتحديث والتطور، لنحقق الآمال والطموحات بأن يتبوأ اقتصادنا المرتبة الخامسة عشرة في ترتيب اقتصادات دول مجموعة دول العشرين إن لم يكن أفضل من ذلك إن شاء الله بحلول عام 2030.