يقول الكاتِب الأمريكي فريدريك دوغلاس: "بمُجرَّد أن تتعلَّم القِراءة ستكون حُرًا إلى الأبد"، ويبدو أن الأيَّام تُصرُّ على إثبات صدق تلك المقولة حتى بعد تجاوز العالم مرحلة الأميَّة تجاه الكلمات المكتوبة مادام يوغل في ظُلمات أُمّيةٍ روحيَّة وعقليَّة تجرفه نحو مصير قد لا تُحمد عُقباه، فالأحداث العالميَّة اليوميَّة تتسارع بصورةٍ لا تكاد تسمح لعقل الإنسان العادي بمُجاراتِها وفك ألغازها المُستعصية، ومع استهداف العقول البشرية بأطنان من البرمجات المُشتتة التي تبثها مواقع التواصُل الاجتماعي يوميًا وصلنا إلى مرحلةٍ صار فيها كثيرٌ من البشر كالدُمى التي يُحرِّكها أي رأي مغلوط أو خبرٍ كاذب دون معرفة مصدره الحقيقي لأن عقولهم لا تستند إلى ذخيرة معرفيَّة وثقافيَّة كافية تدفعهم للشك والتساؤل والبحث عن حقيقة ما وراء الكلمات والأحداث غير المنطقيَّة. يبدو أننا في عصرٍ يستهدف تجريد الإنسان من حُريته العقلية، ومن ثم حُرية الاختيار واتخاذ القرار، تلك الحُرية التي لم يعُد يملكها اليوم إلا الإنسان الذي مازال مُتمسكًا بالقراءة باعتبارها أهم طوق نجاة لعقله من الغرق في سيل التفاهات، فهي التي تُثير التساؤلات وتستفز خلايا الدماغ الرمادية للبحث عن إجابات، وهي التي تُحرِّض الرغبة في الإبداع، وهي التي توقد جذوة تفرُّده الإنساني وتحميه من الانجراف نحو تحوُّله إلى "روبوت" من لحمٍ ودم، يُنفذ رغبات الرأسمالية التي تتغذى سلب إرادته ومن ثم أمواله عن طريق ما تبثه من أوهام تشل قدرته على التفكير بمصالحه وتجتذبه نحو الطرق المُنحدرة التي تُشبع مصالِحها على حساب انسانيَّته. الثقافة في أبرز صورها المتمثلة باستمرارية الحرص على قراءة الكُتُب من أهم مرافئ العقل الإنساني للمُحافظة على سيادته كقائدٍ للكيان البشري، بإقصائها يستمر سحب البِساط من تحت هذا العقل وسلبه مفاتيح قيادة المركبة لتقودها أي كلمةٍ مسموعة أو صورةٍ مرئيَّة من أي مكان، فيفقد الإنسان إمكانية التحكم بمفاصِل حياته وتفاصيلها، ويرزح تحت رحمة هجوم الآلة المتمثلة بالذكاء الاصطناعي إلى أن يغدو وجوده دون قيمة أو معنى.