في يناير 2021 أعلنت السعودية وتايلاند عودة العلاقات الدبلوماسية، بعد أكثر من ثلاثة عقود من تراجع العلاقات، وإعادة الثقة المتبادلة والعلاقات الودية والتي أضحت اليوم في مصاف الشراكة الاستراتيجية، بعد مرور أكثر من 3 عقود، حيث أسس الأمير محمد بن سلمان مرحلة جديدة من الشراكة مع تايلاند من خلال اللقاءات المكثفة التي أجراها مع زيارة رئيس الوزراء التايلاندي برايوت تشان أوتشا خلال زيارته التي تأتي بوقت تتجه فيه الدبلوماسية السعودية إلى الشرق بهدف تنويع العلاقات مع نمور آسيا، خصوصا أن زيارة الأمير محمد بن سلمان لتايلاند هي الزيارة الأولى على مستوى قيادة المملكة منذ تراجع العلاقات بين البلدين، وتعكس رغبة وتصميم القيادتين في تعزيز التعاون وتوثيق العلاقات بينهما وستدعم جهود البلدين لفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية بينهما في جميع مجالات التعاون المشترك، وعودة العلاقات بينهما إلى طبيعتها بما يخدم مصالح المملكتين وشعبيهما، فضلا عن تعزيز أوجه التعاون في مجالات الطاقة وأهمية دعم استقرار أسواق البترول العالمية من خلال تشجيع الحوار والتعاون بين الدول المنتجة والمستهلكة، والحاجة إلى تأكيد ضمان إمدادات جميع مصادر الطاقة في الأسواق العالمية وتشجيع كلا الطرفين للعمل على مختلف فرص التعاون بما في ذلك مراكز الهيدروجين، واستخلاص الكربون واستخدامه وتخزينه، والطاقة المتجددة.. وأكدت مصادر سعودية ل"الرياض" أن المملكة ستستمر في كونها الشريك الموثوق والرئيس لإمدادات البترول الخام لتايلاندا. وتتزامن زيارة سمو ولي العهد إلى تايلاند، مع انعقاد قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (APEC)، حيث أجرى سموه محادثات مكثفة خلالها بالعديد من أبرز القادة العالميين الذين سيشاركون في اجتماعات القمة الاقتصادية. وعُرفت المملكة بسعيها إلى بناء جسور التواصل مع كلّ دول العالم وفق المصالح المشتركة، وهو أمر أدركته تايلاند بعد سنوات طويلة، واقتربت بقوة باتجاه الدبلوماسيّة والاقتصاد السعوديّين. وأكدت مصادر تايلاندية رفيعة ل"الرياض" أن زيارة ولي العهد دشنت عهدا جديدا في الشراكة والانفتاح باتجاه المملكة على الخليج العربيّ، وتريد الوصول إلى أفريقيا والعالم العربي، وبارقة أمل جديدة، لبناء شراكات مع المنطقة والعبور للقارات الأخرى. وتايلاند التي كانت تعرف سابقًا ب"سيام" أنّ السعوديةّ هي بوابة الوصول إلى تلك المناطق. وتأتي زيارة الأمير محمد بن سلمان في أعقاب زيارة رئيس الوزراء برايوت تشان أوشا إلى الرياض خلال شهر يناير، وهي أول زيارة يقوم بها زعيم تايلاندي منذ قطع العلاقات. وأولت الحكومة التايلاندية أهمية قصوى لتعزيز علاقاتها مع السعودية، وذلك إدراكا منها لمكانة المملكة عالميا وثقلها السياسي والاقتصادي دوليا، كما رحبت المملكة خلال الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء التايلاندي، بعودة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها، ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بينهما من قائم بالأعمال حالياً إلى مستوى سفير. ويحرص الجانبان السعودي والتايلاندي على إقرار مجموعة من الخطوات المهمة التي من شأنها تعزيز العلاقات الثنائية، شملت: تعيين السفراء في عاصمتي البلدين، واستحداث آلية استشارية لتقوية التعاون الثنائي، لاسيما تكثيف التواصل لمناقشة التعاون في المجالات الاستراتيجية الرئيسية. وعلى الرغم من التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، في آسيا حافظت تايلاند على زخمها الاقتصادي واستفادت من السياسات الداعمة للطلب المحلي القوي، ومن الظروف العالمية المواتية لزيادة النمو الارتفاع في العديد من اقتصادات السوق المتقدمة والناشئة، كما أثبتت تايلاند قدرتها على الصمود في ظل الأزمات الاقتصادية. وتولي الحكومة التايلاندية أهمية قصوى لروابط الصداقة مع المملكة، ومن هذا المنطلق فقد أعربت عن أسفها إزاء الحوادث المأساوية التي وقعت لمواطنين سعوديين في تايلاند بين العامين 1989 و1990. وجاءت موافقة مجلس الوزراء مؤخرا على محضر اتفاق إنشاء مجلس التنسيق السعودي - التايلاندي، ليعطي دفعة قوية لمؤسسة الشراكة، في سياق الخطوات المتسارعة بين البلدين لتطوير الشراكة، وبهدف تفعيل التعاون الثنائي في المجالات الاستراتيجية الرئيسية. وهناك تعاون نفطي كبير بين الرياض وبانكوك حيث ترتبط شركة أرامكو السعودية باتفاقية مع شركة "بي تي تي بابلك" التايلاندية لبيعها 166 ألف برميل في اليوم من النفط الخام، واقترحت الشركة زيادة الكميات والمدة، بمبدأ التسليم شاملًا التكلفة وأجرة الشحن. وحظيت المملكة بمكانة قيادية في صناعة البترول العالمية، وقد وظفت هذه المكانة لتحقيق الاستقرار والتوازن في الأسواق الدولية، وهي تعتبر أن أمن الطاقة واستدامتها موضوعًا ذا أهمية بالغة، إذ أن العالم في حاجة مستمرة إلى الطاقة بأشكالها كافة، ومن هذا المنطلق حرصت على وضع سياسات فعالة لأسواق الطاقة توازن بين أمنها واستدامتها. كما يوجد لدى شركة (سابك) مصنع في تايلاند ينتج المواد المتخصصة مثل منتج (NORYL) نوريل كما تبلغ كمية مبيعات الشركة السنوية من المنتجات البتروكيمياوية والأسمدة في السوق التايلندية قرابة (1,3) مليون طن، ويتبع (سابك) مكتب لإدارة عملياتها في بانكوك، يبلغ عدد الموظفين فيه 83 موظفاً. ويبلغ حجم صادرات المملكة غير النفطية إلى تايلاند في 2021 ما قيمته 723 مليون دولار، فيما بلغت صادرات المملكة النفطية في العام نفسه إلى تايلاند 4.107 ملايين دولار، ويعمل في السوق السعودي نحو 2,242 عامل من العمالة التايلاندية الماهرة. تحتل المملكة المرتبة ال14 في قائمة الشركاء التجاريين لواردات تايلاند من العالم بقيمة 5.839 ملايين دولار، كما تحتل المملكة المرتبة 29 في قائمة الشركاء التجاريين لصادرات تايلاند إلى العالم بقيمة 1.613 مليون دولار. وبلغ حجم التجارة بين المملكة وتايلاند في العام 2021 ما قيمته 7.166 ملايين دولار، وسجل الميزان التجاري فائضا لصالح المملكة، حيث صدرت المملكة لتايلاند بقيمة 4.831 ملايين دولار، واستوردت من تايلاند ما قيمته 2.335 مليون دولار. ويقول الخبير التايلاندي باتيل رونجهام ل"الرياض": إنّ الجولة الآسيوية لولي العهد وزيارته تحديدا لتايلاند هو تغيير في قواعد السياسة الخارجية وتكريس لدبلوماسية التوجه للشرق تجعل هذا التحوّل يبدو أكثر منطقية، مؤكدا أن محطة تايلاند سعت لزيادة التنسيق مع أسواق الطاقة في آسيا، ولكن أيضا لإظهار للعالم الغربي الأوسع، أن السعودية لا تفتقر إلى الخيارات فيما يتعلق بالشراكات ولديها سلة آسيوية اقتصادية كبرى، في وقت يتسم بعدم الاستقرار وعدم اليقين عالميًا فيما يتعلق بالتجارة والجغرافيا السياسية والمناخ، من المتوقع للنمو الاقتصادي في اقتصاديات آسيا أن يتنامى، ومن المتوقع أن يظل النمو مزدهرًا على المدى المتوسط وأن يكون على نحو أقل إثارة للإعجاب مقارنة بالأعوام السابقة. وتعدّ تايلاند دولة ذات ثقل سياسي واقتصادي في جنوب شرق آسيا، عدد سكانها حوالي 66 مليون نسمة؛ منهم حوالى 10 ملايين مسلم، ويوجد بها أكثر من 4700 مسجد ومصلى، فهي مزيج خبرات صناعية فنية وعلاجية، وتمتلك عمالة مدرّبة يمكن الاستفادة منها في السوق السعودي، كما أن المناخ الاستثماري خصب؛ فمن الدول المستثمرة هناك الولاياتالمتحدة واليابان وغيرهما، وهذا يعني أننا أمام سوق مزدهر مفتوح للعالم، فيمكن للمملكة الاستعانة بالعقول التايلاندية في تحقيق مستهدفات 2030، خاصة في المسارات التي تتفوق فيها تايلاند كصناعة السيارات وقطع الغيار. ويسعى البلدان للتعاون في مجال الزراعة من خلال عقد لقاءات شراكة بين القطاع الخاص في البلدين لتسهيل تجارة المحاصيل الأساسية وخاصة الأرز، فضلاً عن رغبة المملكة في تصدير التمور السعودية للأسواق التايلاندية، وتعزيز التعاون مع الجانب التايلندي في مجال الاستزراع السمكي ومنتجات الدواجن. السياسة الخارجية للسعودية يحركها السوق والاقتصاد والاستثمار والطاقة، وزيارة ولي العهد لتايلاند أعطت زخما للمحاور كون القارة الآسيوية في طريقها لتصبح مركز الثروة في العالم في المستقبل القريب خصوصا، صعود آسيا أصبح شيئا حتميا بالنظر إلى تحول الثقل الاقتصادي العالمي ناحية الشرق وأصبح العالم بأسره ينظر إلى آسيا الآن وآسيا تنظر إلى الشقيقة الكبرى الصين، ومعا يمكن أن نقود العالم"، وباتت نموذجا جيدا تحتذي به الدول الآسيوية الأخرى، إن الاتجاه الحالي في السياسة الخارجية السعودية هو رفض التبعية وتنويع الشراكات مع الشرق؛ خدمة لمصالحها أولاً وأخيراً.