الفن هو أداة للمعرفة وأيقونة لتسجيل التاريخ والحضارات عبر الأزمنة والأماكن، ومن خلاله استوعبنا كافات المنعطفات الجوهرية لجميع الأماكن برموزها وعقائدها وثقافتها، وهو كذلك يحمل في طياته كافة القيم الجمالية الرفيعة والتي لا زالت تدهش العالم. والفنون التشكيلية كما قال الناقد عز الدين نجيب عبر الحضارات المتعاقبة وفي الحياة اليومية للمجتمعات هي الأداة الأولي للمتعة والزينة ولبلوغ المثالية في الحق والخير لتجعل الحياة أكثر جمالا عبر الزمان والمكان. وكثير ما نسمع كيف أصبح الفن هو انعكاس للحياة المعاشة بكل ما تحمله من قيم وزخارف وعادات وسلوك عيش عبر لوحة مسندة أو مجسم ثلاثي الأبعاد أو مجموعة أفكار مفاهمية ساغها الفنان لتحكي أساطير وقضايا اجتماعية في صياغة تشكيلية مبهرة أساسها اللون والخط والمساحة والكتلة والفراغ لتضفي جمالا سحريا يأخذ بالنفس البشرية إلى أبعاد وواقع أكثر إثارة واهتمام، ويعزز الهوية والشخصية الفنيه والتي اندثرت مع الأيام في زمن العولمة والسوشل ميديا، هذه الهوية هي ذات الفنان الخاصة الممزوجة بعدة عوامل طبيعية وتاريخيه وثقافيه مع عدم إغفال عامل الاكتساب والتعلم والتفاعل والتأثر بالعوامل الخارجية والتلاقح الحضاري والثقافي فيبعثر أفكاره المختلفة على سطح العمل يسرد فيها جميع ما سبق بروح الفنان الأصيلة. وقد راودتني تلك الأفكار والمفردات المتوارثة للفن عبر التاريخ عندما تأملت البعض من الأعمال التشكيلية وخاصة للجيل الجديد من الجنسين في الساحة المحلية وعبر المعارض، وقد اخترقها المفهوم السطحي للعمل المسند والمرتكز علي ثقافات خارجية وأراء لأشخاص ينقصهم الوعي ومواقع تدعم التجريب العشوائي الشكلي دون هدف لتكون الحصيلة مجموعة تجارب مكررة ومتشابهة لبعض تفتقد الصدق والهوية والروح للفنان. فالجيل الصاعد يعيش حالة من التغريب والدهشة لما يسمعه من نماذج سطحية تسيطر علي المشهد وما يشاهده من أعمال تنتمي إلى الخارج وليس لها علاقة بالموروث والثقافة المحلية مما أثر علي المفهوم العام. وكيفية إنتاج عمل يبقى أثره عبر سنوات قادمة، فالانفتاح على الحضارات بمصراعيها سلوك إيجابي محبذ في ذات الفنان لكي يحمل خبرة بصرية يستطيع من خلالها إعادة صياغة للواقع المعاش وطرح مواضيع تشكلية جديدة تنتمي وترتبط بذاته التواقة للاكتشاف والممزوجة بالثقافه المحلية فيكون خلاصة هذا المشهد منتجا نعتز به عبر الأماكن والأزمنة. * فنان وناقد تشكيلي