أعتقد أننا جميعاً قد مرت علينا عبارة: «عِش لحظتك الحالية، واستمتع بها»، بل ربما سمعناها أكثر من مرة ومن أكثر من شخص أو برنامج، وقد تبدو هذه العبارة بسيطةً للغاية؛ إلَّا أنَّنا نمر جميعاً بأوقات صعبة نفقد فيها لذة العيش والاستمتاع بالحياة؛ ذلك لأنَّنا نميل غالباً إلى قضاء الكثير من الوقت في استعادة ذكريات الماضي أو التخطيط كثيراً للمستقبل، ونفقد بذلك لذة الشعور باللحظات الرائعة التي نعيشها الآن. إن مفهوم «اللحظة» أو «اللحظة الآنية» مفهوم قديم متعلق بفلسفة المكان والزمان حالها بنفس ما يستخدم في وقتنا المعاصر (الآن وحالاً)، ويأتي متوسطاً بين الماضي والمستقبل، ومثلما يقال (عيش لحظتك)، عشها كيفما كانت وجاءت عشها بكل تفاصيلها، وتذكر ما أنت عليه الآن هو نتاج لحظاتك السابقة وما ستكون عليه بعد حين ومستقبلاً هو ما تفكر به الآن وتعيشه وتحسه. «اللحظة» هي هبة من الله تعالى وفرصة متجددة يجب علينا أن نستمتع بها كونها من أعظم نعم الله علينا فهل تدرك عزيزي القارئ هذه الهبة الربانية؟ وهل تعيشها بكل تفاصيلها دون تسويف؟ وهل تتخذها أداة لمستقبل مشرق وسعيد أم أنك ستجر إليها خيوط الماضي الذي قد يكون تعيساً للأسف؟ فالإنسان المتفائل الذي يمنح لروحه السعادة ويشحنها بالتفاؤل والتوكل على الخالق عز وجل سيجد أن لحظته مختلفة تماماً فيحاول تجديدها وعيشها بكل تجلياتها. وبحسب ما كتبه إيكارت طولي وهو كاتب ومفكر ألماني في كتابه «قوة الآن» فيقول: إن كينونة الإنسان يتعين أن تعاش بكامل الجسد والمدارك والأحاسيس والجوارح وليس بالدماغ فقط، إذ يتعين أن ننغرس وننغمس كلياً في اللحظة الحاضرة حتى نمنحها كل قوتها ومدلولها، حينها ومن وجهة نظري نستطيع أن نعيش كل لحظة من لحظاتنا بشغف وحماسة. إن التّفكير بالماضي والقلق حول المستقبل، ليسا سوى حيلة يلجأ إليها العقل البشري ليفصلنا عن الواقع الّذي نعيشه، فنشتّت أفكارنا بتساؤلاتٍ قد تحدث وأشياء حدثت لا فائدة من الرّجوع إليها. التّفكير بالماضي والغوص في ذكرياته سيجعلان الإنسان يعيش في دوّامة هلاميّة، فيغيب عن حاضره الجميل، شاغلاً نفسه بهالةٍ من ذكرياته البائسة، وأيضاً نجد أنّ القلق ليس فقط من الماضي، بل حول المستقبل وكيفيّة إشغاله، ما يفصل العقل عن الواقع الحالي، ويجعله غير مدرك لحقيقته وجماله الخاص، فلا هو عاش حاضره، ولن يضمن إن كان سيعيش مستقبله الّذي يستحوذ تفكيره ويبقى على قيد الحياة. لذا على الإنسان الّذي يسعى نحو النّجاح في حياته أن يغلق نوافذ الماضي الحزين والمستقبل البعيد، ويفتح أبواب الحاضر الجميل، شريطة الاستفادة منه، مع التّحلّي بالأمل والسّعي نحو النّجاح، وذلك بالتّخطيط المثمر، مبتعداً عن القلق والمنغصّات الّتي تعيق تقدّمه، مستشعراً جمال الحياة لكلّ لحظة من لحظاتها، مستغلّاً جميع الفرص المتاحة. وللخروج من الماضي والمستقبل والتّمتّع بالحياة وتفاصيلها الجميلة يجب العمل بقاعدة: العيش في حدود اللّحظة الرّاهنة من دون التّفكير باللّحظات الماضية والمستقبليّة، فالانشغال بالغائب يضيّع الحاضر، فلا تحمل همّ غدٍ على همّ يومك الّذي أتاك، عِش اللّحظة وتمتّع بتفاصيلها ورونقها الجميل، وكما يقول «إلينور روزفلت»: سيأتي ذلك اليوم الذي تنظر فيه إلى حياتك الماضية، وتنتحب قائلاً: لقد حدثت أمور طيبة عديدة فيما مضى من حياتي، ولكنني لم أكن موجوداً أبداً فيها للاستمتاع بها. الأمس مضى، والغد غامض، واليوم هو الهدية ... يجب أن نتعلم كيفية عيش لحظتنا الراهنة، وعدم ربط لحظاتنا الآنية بأية شروط، أو أحكام، وأن نعيش اللحظة والوقت والمتعة كما هي، وكيفما تكون، وأن نترك الحياة تأخذنا معها راضين ومستمتعين لِنعيش حالة شغف وتقبل كامل لهذه الرحلة. إن السر بعيش اللحظة يكمن بحضورها بوعي كامل، والكف عن محاولة التحكم والسيطرة بكافة الأمور، وعيشها بكل تفاصيلها، والاستمتاع بجميع أوجهها وإعطاء المشاعر حقها من الحب والسعادة والصدق والقوة. أخيراً، إن متعة عيش اللحظة لا يضاهيها متعة، فشعورك أنك عشت الموقف وتناغمت معه لآخر مرحلة من أروع المتع والتجارب الإنسانية التي قد تصل إليها ومع قليل من الممارسة والوعي يصبح الموضوع عادة تلقائية سلسة.. عش لحظتك فغداً ستكون ذكرى جميلة.