لماذا تُحقق بعض قنوات "اليوتيوب" و"التيك توك" أرقام اشتراك مليونية؟ ولم يُسجل برنامج تلفزيوني حواري مُكرر نسب مشاهدة لافتة؟ ببساطة إنه "المحتوى" المخطط له، وذلك لأن جوهر التواصل هو المحتوى، ومتى ما استطعت إبداع محتوى مناسب للجمهور المستهدف؛ متى ما حققت الوصول ومن ثم التأثير، بالطبع مع توافر العوامل الأخرى من توقيت ووسيلة وقالب. قبل بناء أي محتوى لابد من وجود استراتيجية واضحة، تحدد خارطة طريقة استهداف المحتوى، وهو ما يجب أن يكون متوافراً في الاستراتيجية العامة للتواصل، ثم تُفصل بشكل أوسع على مستوى المحتوى، وتأتي استراتيجية "تلبية احتياجات الجمهور" على رأسها، عبر فهم أطياف الفئات المستهدفة بمختلف احتياجاتهم، لغاية صناعة ونشر محتوى يناسب كل فئة قدر الإمكان، يكون متسقاً استراتيجياً وجاذباً إبداعياً، سهل الوصول ومعقول الفهم. هناك ثلاثة مستويات لتلبية حاجات الجمهور، تبدأ من المستوى الأساسي وهو الإخبار عبر مشاركة المعلومة، ثم المتوسط حيث يتم "الإشراك" عبر بناء العلاقة وتلمس التعاون، إلى المستوى المتقدم - وهو الأصعب - حيث ترسيخ الاهتمام ونشر الوعي ليتحقق "التأثير". يهدف المستوى الأول إلى بث المعلومات إلى الجمهور، حتى يمكنه من تلقيها واستيعابها، يعتمد النشر على القوالب التقليدية مثل الأخبار والتقارير والصور والرسومات والمقاطع المرئية والمواد التاريخية، عبر المنصات التقليدية والرقمية، ويدخل من ضمنها المطبوعات مثل المجلات الدورية والنشرات التعريفية، وكذلك ملخصات الدراسات والأبحاث، ويمكن قياس النجاح بتحديد عددٍ من مؤشرات الأداء مثل عدد مرات المشاهدة، عدد مرات نقل الخبر. المستوى الثاني يهدف إلى إشراك الجمهور وتفاعله، عبر بناء العلاقة وتعزيز التعاون، مثل نشر الأخبار المتخصصة والآراء والمقالات، والرسائل الفورية والتعليقات والإرشادات، مع استغلال الرسائل غير المباشرة، ويمكن قياسه بمؤشرات أداء مثل التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي، كالتعليق والإعجاب والتفضيل واستبيانات قياس الأثر. أما المستوى الثالث وهو قمة هرم "محتوى إشراك الجمهور": التأثير، بهدف رفع الوعي وتعزيز تغيير السلوك والتعامل، عبر استغلال القصص الملهمة، والمنشورات التفاعلية، والمواد التاريخية الجاذبة، والفنون الدرامية كالسينما والمسرح والتلفزيون، ناهيك عن اقتناص فرص التقنية في كل منصة رقمية على حدة، ويمكن قياسه بشكل كمي عبر مؤشرات أداء كإحصاءات الانتشار، وأعداد المتابعين وإعادات نشر مؤثري التواصل الاجتماعي للرسائل والمواد الاتصالية، ونوعياً عبر الدراسات والاستبانات التي تقيس تغيّر الصورة الذهنية والهوية المؤسسية، أو عادات وسلوك ومعتقدات المستهدفين. ومما يزيد تأثير المحتوى سرعة النشر والوجود على المنصات المختلفة، لكن الأهم خضوعه للمراجعة والتقييم المستمر، مع عدم إغفال آراء وملاحظات الجمهور من أجل تطوير محتوى عملية التواصل، مما يعظم الأثر. كلما استثمرت وقتاً وجهداً في تخطيط المحتوى استطعت التقدم إلى مستوى أعلى واقتربت من تحقيق الأثر المنشود، وهو الهدف الأساسي من عملية التواصل.