في أواخر ثمانينات القرن الماضي كان التلفزيون السعودي ممثلًا بقناته الأولى يقدّم برنامجًا غاية في الأهمية بعنوان «سعودي» يسلّط الضوء على منجزاتنا التنموية حينها، ويملؤنا اعتدادًا بها.. اليوم تشهد بلادنا مرحلة تنموية هي الأكبر في تاريخها ربما، ومع ذلك ورغم تعدد وسائل الإعلام إلا أننا نلمح قصوراً بيّناً في مواكبة كل هذا النمو مع تعدد المراكز الإعلامية وتميزها، والواقع أننا نحيا اليوم زمنًا شعبويًّا اتكأ على الصورة دائماً في ساعاته المعرفية، وأظن أنه آن الأوان لانطلاق قناة وثائقية تحمل موروثنا وحضارتنا ونمط حياتنا ورؤيانا الملهمة بينما ننفتح على العالم بخطوات متسارعة، فطريقة حياتنا ونمطها ظلّت دائماً في نظر الآخر ضبابية وغامضة، وربما استثمر بعض الأعداء هذا الغموض وهذه الضبابية فسعوا إلى تشويه صورتنا، واستثمار المسكوت عنه فيها للإساءة إلينا، لا سيما مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والأسلوب العدائي الانتقائي فيها، حينما يتم تسليط الضوء على أحداث عادية، وتصرفات فردية نحن أول من يرفضها وتباشرها جهات الاختصاص، لكن لغياب الصورة المشرقة لأصالتنا وامتدادها، هويتنا وتماسكها، بلادنا ونموّها بصورة مذهلة وتاريخية، تم استغلال مثل هذه الأخطاء الفردية وقامت عليها أحياناً برامج متنوعة من التشويه. لهذا تبدو القناة الوثائقية السعودية اليوم مطلباً حينما تجتمع بها ولها كل تلك الجهود التي بذلتها القناة السعودية الأولى حينما كانت النافذة الوحيدة لنا، أو حتى بعض المحاولات التي قامت بها القناة الثقافية قبل أن تتحوّل لقناة درامية منوّعة، فضلاً عن وفرة الكفاءات الإعلامية الفاعلة والقادرة على تقديم برامج وثائقية نوعية تجعل من القناة منبعًا لتاريخ سائل للمملكة وخطواتها النوعية نحو الشمس منذ توحيدها قبل أكثر من تسعة عقود. إن القنوات الوثائقية اليوم واحدة من أهم المراجع اليومية التي يأنس بها المثقّف، ويلجأ إليها الباحث عن التاريخ جغرافياً، أو الجغرافيا تاريخًا، ولو استثمرنا موروثاتنا التاريخية مثلاً والحكايات حولها كمحتوى ثقافي حيوي ومشوّق يجتمع فيه الزمان بالمكان، أو حتى استعرضنا مسيرتنا التنموية والاجتماعية منذ أن كنا بدواً متفرقين في الصحراء نتقاتل على آبار الماء، حتى بتنا هذه الدولة العظيمة التي لا تغادرها الأخبار ولا يتجاوزها الضوء.. ربما لو فعلنا بعض هذا لحملنا العالم كل العالم إلى زيارة المكان وملامسة أزمنته وحضاراته من جهة، ومفاتحة هذا المجتمع الذي يقفز نحو الغد بخطوات تسبق الزمن، فآثارنا نقطة قوة سياحية لا يمكن استثمارها بالصورة المثلى ما لم نقدمها للعالم بشكل وثائقي معاصر، كذلك تاريخنا جدير بالقراءة والاطلاع حد الشغف، وفي المقابل تظل القنوات الوثائقية اليوم مكتبة الوقت في ظل ازدحام يومنا، وانصرافنا تثاقلاً وانشغالاً عن القراءة التقليدية، فضلاً عن كونها النافذة التي يرانا عبرها الآخرون قبل أن يطرقوا أبوابنا..