تكتسب العلاقات السعودية - الأميركية خصوصية تميزها عن غيرها من العلاقات الدولية، فالمملكة تتمتع بالثقل في أولويات السياسة الأميركية كأهم الدول المحورية في الشرق الأوسط، لما تمتلكه من مقومات جيواستراتيجية وقدرات اقتصادية ونفطية ومكانة إقليمية ودولية. ودائماً ما وصفت هذه العلاقات بالوطيدة والمتجذرة لتشابك المصالح والمنافع، إلاّ أن ما طرأ عليها لا يشذ عمّا شهدته هذه العلاقات على امتداد العقود الماضية من حالات تقارب وتباعد وفق رؤية الطرفين لمصالحهما القومية، واعتماداً على الظروف السائدة في البيئتين الإقليمية والدولية. لذلك تجسيد الإعلام الغربي لهذه العلاقات الممتدة لثمانية عقود في صيغة معادلة النفط مقابل الأمن، هو تحليل فائق التبسيط، لأن النفط وحده لا يمكن أن يكون سبباً لمتانة هذه الشراكة، فالكثير من البلدان المصدرة للنفط لا تتمتع بعلاقات مميزة فيما بينها كالتي تتميز بها العلاقات السعودية - الأميركية، خصوصاً أن مواقف البلدين لم تكن في حال وئام أو وفاق دائم، بل شهدت منعطفات سياسية عديدة، نتيجة اختلاف قراءة الطرفين للأحداث والمتغيرات الإقليمية المتلاحقة، ورغم ذلك ظل هذا التحالف متماسكاً. وتعي واشنطن أن السياسة السعودية الراهنة تتصف بالرشاقة وسرعة التموضع، بما يتماشى مع معطيات الواقع، ويعزز السيادة السعودية، والسعي إلى تنويع الحلفاء على المستويين الإقليمي والدولي، حفاظاً على مصالحها الاستراتيجية، وأمنها القومي، دون تفريط في علاقاتها الاستراتيجية مع الولاياتالمتحدة، ودون نقص في اضطلاعها في حماية الاقتصاد العالمي من تقلبات أسعار الطاقة، وضمان إمداداتها، وفق سياسة متوازنة تأخذ بالحسبان مصالح الدول المنتجة والمستهلكة. وبصرف النظر عن تصريحات أميركية غير موفقة هنا وهناك، إلاّ أن واشنطن تعي بأنها مجرد رفع شعارات لإرضاء الداخل الأميركي، وتحديداً الناخب الديموقراطي في نوفمبر المقبل، لأن حجم الشراكة الاقتصادية والعسكرية مع المملكة، ومصالح الأمن القومي الأميركي في المنطقة، سيفرضان قيوداً كثيرة على واشنطن، ويجعلها تتكيف مع هذا الواقع، حيث لا يمكن لها تطبيق استراتيجية ناجحة إلا بدعم فاعل من الرياض، فمن احتواء إيران إلى محاربة الإرهاب، أو محاولة إنهاء الصراعات أو تقليلها، فإنها بحاجة إلى تعاون سعودي. ومن هذا السياق، فإن العلاقات بين الدول لا تقوم على الود الدائم، وإنما على المصالح المشتركة، وليس الشعارات الانتخابية، وتدرك واشنطن ثوابت هذه العلاقات، وأن أمن العالم يبدأ بالخليج وينتهي بالخليج.