أُسدل الستار يوم الأربعاء الموافق 5 أكتوبر 2022 على مجريات أحداث الاجتماع الخامس والأربعين للجنة الوزارية المشتركة لمراقبة الإنتاج، وكذلك على مجريات أحداث الاجتماع الوزاري الثالث والثلاثين للدول الأعضاء في منظمة أوبك والدول المشاركة من خارجها (أوبك بلس أو أوبك+)، حضورياً بمقر الأمانة العامة لمنظمة أوبك في مدينة فيينا بدولة النمسا. قَرر المجتمعون بالاجتماع الوزاري المشار إليه أعلاه خفض الإنتاج الكلي بمقدار 2 مليون برميل يومياً من مستويات الإنتاج المطلوب في شهر أغسطس من العام الجاري للدول الأعضاء بالمنظمة ابتداءً من شهر نوفمبر القادم وفقاً لجدول تخفيض تم الاتفاق عليه، وهو الذي يعد التخفيض الثاني الأعلى في تاريخ التحالف منذ عام 2020 عندما تم الاتفاق على تخفيض الإنتاج الكلي للمنظمة بشكل تدريجي بمقدار 10 ملايين برميل يومياً نتيجة للتداعيات الاقتصادية التي تسببت فيها جائحة فيروس كورونا المستجد. استند قرار المنظمة في تخفيضها للإنتاج الكلي لنفطها على عدة اعتبارات، من بينها على سبيل المثال لا الحصر؛ عدم اليقين وعدم وضوح الرؤية بحالة الاقتصاد العالمي وكذلك أسواق البترول العالمية، مما دعا الحاجة إلى المحافظة على توازن سوق البترول العالمية بشكلٍ استباقي على المدى الطويل، وبما يتماشى ويحقق أهداف المنظمة الساعية إلى المحافظة على استقرار وتوازن السوق. يذكر أن أوبك بلس هو اتفاق يضم 23 دولة مصدرة للنفط، منها 13 دولة عضواً في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وعشر دول أخرى منتجة ومصدرة للنفط من خارج المنظمة، وقد تم التوصل لهذا الاتفاق في نوفمبر 2016 بهدف المحافظة على استقرار أسواق النفط والأسعار العالمية. لعله من المهم جداً التوضيح أن التخفيض الفعلي والحقيقي للإنتاج الكلي للمنظمة يقدر ما بين مليون إلى مليون ومئة ألف برميل يومياً وليس ما تم الاتفاق عليه، بسبب أن عدداً من دول المنظمة لم تصل في الأساس إلى مستوى النسب الممنوحة لها أو ما يعرف بال كوتا (Quota) بسبب ظروفها الإنتاجية، هذا بالإضافة إلى أن التعديل الطوعي من دول الأعضاء بمنظمة أوبك سيصل إلى 1,273 برميل يومياً في حين سيصل الخفض الطوعي بالدول خارج منظمة (أوبك) إلى 727 برميل يومياً، وتُعد المملكة العربية السعودية من بين الدول الأعلى بالنسبة للخفض الطوعي بمقدار 526 ألف برميل يومياً، مما سيجعل إجمالي الخفض لكامل انتاج منظمة أوبك بلس من 43,856,000 برميل يومياً إلى 41,856,000 برميل يومياً. كما أنه من المهم جداً الإشارة إلى أن قرارات (أوبك+) تُتخذ وتَصدر بإجماع كافة الأعضاء وليس بتفرد دولة ما سواء المملكة العربية السعودية أو غيرها، كما أن القرار لا يتم بالاتفاق بين دولتين أو أكثر على حساب الدول الأخرى، ولا يتخذ تحيزاً أو محاباة لدولة ما، كون أن جميع الدول ال23 المنضمة تحت لواء المنظمة لها كامل سيادتها وظروفها الخاصة التي لا يَمكن للمنظمة بقرارها التأثير عليها بأي حال من الأحوال. امتعضت لقرار (أوبك+) بخفض الإنتاج بمقدار 2 مليون برميل يومياً عدد من الدول المستهلكة للنفط، وبالذات التي تَعاني من ارتفاع في معدلات التضخم والتي هي بصدد إجراء انتخابات لمجالس سياسية، باعتبار أن ذلك الخفض سيتسبب في ارتفاع أسعار الطاقة، وبالذات الطاقة التي تعتمد على النفط ومنتجاته. برأيي أن ذلك الامتعاض أمر طبيعي جداً ومتوقع نتيجة للتباين والاختلاف بين مصالح الدول المنتجة والمصدرة للنفط والمستهلكة له. ولكن من باب العدل والإنصاف وليس دفاعاً عن (أوبك+) فإنه لا يُمكن لها أن تترك الأسعار تنخفض وتتهاوى بشكلٍ كبير وغير مبرر طالما أن أساسيات السوق البترولية جيدة وسليمة، وتراعي في نفس الوقت قوى العرض والطلب بالشكل الذي يحقق ويكفل توازن السوق، وبالذات وأن ارتفاع أسعار النفط ليست هي العامل والعنصر الوحيد المسؤول عن ارتفاع الأسعار العالمية ومعدلات التضخم، ولكن هذا قدر أسعار النفط التي تلفت الانتباه في حال ارتفاعها دون غيرها. ولعل ما يؤكد على ذلك على سبيل المثال لا الحصر، وصول سعر برميل (برنت) في شهر سبتمبر الماضي إلى 91 دولاراً أمريكياً، في حين بلغ سعر الغاز الطبيعي بالاتحاد الأوروبي في نفس الشهر والذي يقاس بالوحدة الحرارية البريطانية مبلغ 347 جنيهاً إسترلينياً (GBP/Thr U)، وسعر طن الفحم 207 و325 و341 دولاراً أمريكياً في الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدةالأمريكية على التوالي، ولكن رغم ذلك لم يلتفت العالم لتلك الأسعار التي فاقت سعر برميل النفط بنفس الفترة الزمنية بمراحل وجعل جُل تركيزه واهتمامه على ارتفاع أسعار النفط. أضف إلى ذلك أن الارتفاع في معدلات التضخم وأسعار المواد والسلع العالمية، لها تبريرات بعيدة كل البعد عن ارتفاع أسعار النفط العالمية، التي من بينها على سيبل المثال، ارتفاع أسعار الفائدة وفشل السياسات النقدية العالمية حتى الآن في لجم جماع التضخم، هذا بالإضافة إلى الأحداث الجيوسياسية التي تسببت فيها الحرب الروسية الأوكرانية، وما فرضه الغرب من عقوبات على روسيا بسبب تلك الحرب وما نتج عنها من نقص في إمدادات النفط والغاز الروسي لدول الاتحاد الأوروبي، وكذلك محاولة الاتحاد بفرض حد أقصى لسعر النفط الروسي.