من حق الدول أن تحافظ وتحمي مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية بما ينعكس إيجابا على اقتصاداتها وشعوبها، لذا جاء قرار أوبك+ الأربعاء الماضي، بخفض إنتاجها المستهدف بمليوني برميل يوميا لشهر نوفمبر المقبل، بإجماع الثلاثة والعشرين دولة في المجموعة، وهذا يؤكد أن أوبك+ ماضية في تحقيق أهدافها الاقتصادية في أسواق النفط وتعظيم منافعها بما يعزز إمدادات النفط ويحافظ على أمن الطاقة على المدى الطويل، فليس هناك مجال لتفويت الفرصة الاقتصادية أو إعادة أخطاء الماضي في ظل ارتفاع قيمة الدولار القياسي واستمرار الفدرالي في رفع سعر وارتفاع معدل التضخم ومخاوف ركود الاقتصاد العالمي. إن قرار أوبك+ ليس عشوائيا بل مبنيا على تحليل متغيرات أسواق النفط من عرض وطلب (استهلاك، ومخزونات) وتكلفة الإنتاج ومستوى الطاقة الفائضة والمخاطر المحتملة والتنبؤ بمستقبل الطاقة. إن التكلفة الاقتصادية لاستكشاف وإنتاج النفط لم تعد كما كانت في الماضي بل ارتفعت تكاليف المدخلات والحاجة لاستثمار ما لا يقل عن 12 تريليون دولار في مستقبل النفط، في ظل التحديات التي تواجه حاضر ومستقبل النفط من تقليص الانبعاثات الكربونية والحياد الصفري والتحول السريع إلى الطاقة المتجددة، وهذا ما دفع شركات النفط الأميركية إلى جني أكبر قدر من الأرباح على حساب زيادة إنتاجها، مما أبقى إنتاج النفط الأميركي عند 12 مليون برميل يوميا حاليا مقارنة ب 13 مليون برميل يوميا أو أقل ب (1) مليون برميل يوميا عن مستواها قبل الجائحة، بل أيضا انخفضت طاقة مصافيها، إذا الشركات الأميركية خفضت إنتاجها ومن حق أوبك+ أيضا تخفيض إنتاجها بما تراه متلائما مع أوضاع الأسواق وتعظيم إيراداتها ولكنها، في نفس الوقت، تحافظ على استمرارية إنتاج النفط وحماية الاقتصاد العالمي من أزمة طاقة خطيرة على مستقبله وهذا ما لا تقوم به شركات النفط الأميركية التي تبحث عن الربحية فقط. فما زال خفض أوبك+ لإنتاجها الفعلي أقل ب 50 % من سقف التخفيض (2 مليون برميل يوميا) أو أقل ب (1) مليون برميل يوميا، وهذا يوضح مدى الترابط بين حجم الإنتاج الفعلي والطلب على النفط من أجل تحقيق استقرار أسواق النفط والحد من تقلبات الأسعار، حيث تراجع برنت على المستوى الشهري في سبتمبر إلى متوسط 89.82 دولارا أو 9 % وغرب تكساس إلى 80 دولارا أو 11 %، وعلى المستوى الفصلي في الربع الثالث فقد خسر برنت 23 % وغرب تكساس 25 %، أما على مستوى الأسبوع الماضي ارتفع برنت من 91.80 دولارا الثلاثاء الماضي إلى 97.92 دولارا أو 6.6 % الجمعة الماضية، وارتفع غرب تكساس من 86.52 دولارا إلى 92.64 دولارا أو 7 %. علما أن ارتفاع أسعار النفط ما زال أقل بكثير من ارتفاع أسعار الغاز والفحم ولكن التركيز دائما على النفط. إن تخفيض أوبك+ لإنتاجها أو زيادته عملية استباقية وديناميكية مستمرة لمواجه التغيرات المستقبلية ودرء المخاطر وخفض التكاليف إلى أدنى مستوياتها، فإن استقرار أسواق النفط العالمية واستمرار إمدادات النفط على المدى الطويل، يتطلب زيادة الاستثمار بمعدلات كبيرة خلال الأعوام القادمة وهو الخيار الأفضل أو أن يتحمل الاقتصاد العالمي مخاطر نقص الطاقة وارتفاع الأسعار بشكل ملحوظ. وهو الخيار الأسوأ. وأقول «تسييس النفط هو التجاوب مع رغبات الدول وليس مع معطيات أسواق النفط».