ليس سراً أن أوكرانيا الراهنة غربية الهوى، وتنشد عضوية كلّ من الاتحاد الأوروبي و(الناتو)، وتطالب بدعم غربي غير مسبوق لمواجهة ما تصفه بالأطماع والتهديدات الروسية للقارة الأوروبية. وتأتي استجابة الغرب للمطالب الأوكرانية تحت مظلة السيادة، والحريات، وبوصفها دولة حليفة تسعى إلى مكان في عالم الغرب الديمقراطي المتحضّر، وأن مساهمة الغرب في تجميد الصراع في أوكرانيا عام 2015م أطلق العنان لروسيا لتوسيع مناطق نفوذها في أنحاء مختلفة من العالم، واستطاعت النجاة من ردّة فعل عسكرية غربية وعقوبات اقتصادية مكبّلة، وشعرت أنها تستطيع النجاة -أيضاً-. لا شك في أن اجتياح أوكرانيا جاء ترسيخاً لقناعات روسية بوجود خلافات كبيرة داخل الناتو، والاعتقاد بأن تحالفاتها مع الصين والهند، وحاجة الأوروبيين الماسّة إلى النفط والغاز والقمح، ستحول دون محاسبتها، ما كرّس ذلك مفهوماً خاطئاً بأن الغرب لن يتحرك، إضافة إلى استنادها على كفاءة قواتها المسلّحة وأجهزتها الاستخباراتية، وعلى أقليّة روسيّة داخل أوكرانيا تتطلّع للعودة إلى البلد الأم. إلاّ أن المارد الغربي استيقظ ليقدّم دعماً عسكرياً لا يمكن تحمّله، تجاوز العقوبات الاقتصادية والضغوط الدبلوماسية، ورأته روسيا أنه يهدف في حقيقته إلى الزحف صوب حدودها، وتهديدها بشكل أكبر، إلاّ أنها واصلت حديثها في أكثر من مناسبة عن تاريخ أوكرانيا السوفييتي، وأنّها جزءٌ لا يتجزّأ من الإمبراطورية القيصريّة، وكان من الخطأ السماح باستقلالها. ربّما كانت الحسابات الروسية منطقية، ومدعومة بتجارب وخبرات سابقة، لكنها الآن فشلت على محكّ التجربة الفعلية، فلا أوكرانيا استسلمت، ولا الغرب تردّد في دعمها بأسلحة متطوّرة بدأت تقلب الموازين في ساحة الحرب، وبدلاً من أن يردع هذا الاجتياح الروسي أوكرانيا ودولاً حدوديّة أخرى، سارع الجوار بأكمله إلى تقديم طلب الانضمام لحلف الناتو، بعد عقود من الإصرار على الحياد. لذلك يأتي السؤال، لماذا كلّ هذا الدعم الغربي لأوكرانيا؟ هل يتعلق هذا بالهوية الثقافية الأوروبية التي يسعى الأوكرانيون إلى تأسيسها بعيداً عن روسيا، أم بسبب الخوف الغربي المتزايد من إمبراطورية روسية قادمة؟. ليس هناك أدنى شك في أن مساعدة الغرب لأوكرانيا يعود في جزء كبير منه إلى مشاعر القلق التي انتابته عقب الاجتياح الروسي لجيرانه، فضلاً عن أن دولاً محايدة كفنلندا والسويد تعتبران روسيا تهديداً رئيساً لهما.