ترى الولاياتالمتحدة في النظام الإيراني ذلك الطائفي المغامر الذي ينشر الفوضى والخراب أينما حلّ، ولا بدّ من توظيفه؛ حتى تُسند له الحراسة وتوكل له المهام؛ حتى ينشر الجهل والأوهام، كونه نسخة صفوية عامرة بالصراعات، وجاهزة للاستخدام. اعترفت إيران منذ زمن الشاه بإسرائيل، وتحديداً بعد عامين من تأسيس الكيان، وبلغت العلاقات حدّ التحالف الاستراتيجي، وأينعت ثمار التخادم بداية الحرب العراقية - الإيرانية، وتجلّت في فضيحة (إيران غيت)، حيث زودت واشنطنطهران بأسلحة متطورة عبر جسر جوي من تل أبيب إلى طهران، لتدمير الجيش العراقي، شملت قطع غيار الطائرات، وآلاف صواريخ ال (تاو) المضادة للدروع، وصواريخ (هوك) أرض جو المضادة للطائرات. وبعد سقوط بغداد في العام 2003م، وبصرف النظر عن اختلافنا مع نهج وسياسة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، بات التحالف الإيراني - الإسرائيلي بغطاء أميركي، مفتوحاً باتجاه بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، ما يؤكد أن الصديقين ليسا في صراع أيديولوجي كما يتخيّل الكثير، بل المصالح الاستراتيجية بينهما تتقاطع في أكثر من مفصل، وتحكمهما البراغماتية لا غير، والأمثلة التاريخية على ذلك كثيرة، حيث في كلّ علاقاتهما مع شعوب المنطقة تتعارض سياساتهما مع المبادئ الإنسانية التي تقوم عليها العلاقات الدولية، فهما تستخدمان كلّ وسائل القهر، لترحيل أصحاب البلاد الشرعيين، ودفعهم إلى التشرّد خارج الحدود، والشواهد كثيرة، وفقاً لنظرية الإخلاء والحلول، وتبادل الأدوار لإنهاك العالم العربي وتدميره بالحروب، ثم الاستيلاء عليه، استناداً لمعتقدات متخيّلة. ولكي تتم السيطرة بإحكام، جنّدت إيران عشرات الصحافيين والكتّاب والإعلاميين العرب؛ ليكونوا في خندق الدفاع عن دجلها في إزالة إسرائيل عن الخارطة، ومنبراً لاستمالة الشعوب، وتكريس صورة المقاومة المزعومة في الذهنية العربية، حيث وصفت الولاياتالمتحدة بالشيطان الأكبر، وإسرائيل بالشيطان الأصغر، وإطلاق يوم القدس، في الوقت الذي كانت تُعقد الصفقات بين طهران وتل أبيب.. ويقابل ذلك تشويه ممنهج لصورة الدول العربية، وخصوصاً المملكة العربية السعودية. حتى الآن أتمت طهران المسرحية بنجاح باهر، حين تماهى مشروعها تماماً مع الاستراتيجية الإسرائيلية في تحويل الحواضر العربية إلى خرائب تتشح بالسواد، ومن مدن مفتوحة على الثقافات العالمية إلى أخرى تعيش في القرون الوسطى، لا خدمات ولا أمان، بهدف ثأري انتقامي من التاريخ والجغرافية. والآن على ضوء المفاوضات النووية الجارية، هل يستمر اتفاق التخادم السري بين الجانبين، أم أن المنطقة ستدخل الفصل الأخير من هذا العبث، وحتماً الدول العربية اليوم لا تقبل أن تكون المستهدفة سرياً بهذا الاتفاق.