كنا وما زلنا -كمختصين في الموارد البشرية- نتداول دراسات الرواتب التي تجريها الشركات الاستشارية الأجنبية على الأسواق الخليجية المجاورة، فنأخذها من باب القياس على سوق العمل السعودي، وما أن تنشر دراسات عن سوقنا -رغم قلتها- إلا ونتخاطفها ونتداولها بلهفة حتى تهترئ صفحاتها! إن مكانتنا كأحد العشرين الكبار (G20) المؤثرين في الاقتصاد العالمي، جعلت سوق العمل السعودي ضخما وديناميكيا، ومستعدا ليكون مقرا أقليميا يحتضن الشركات الأجنبية الكبرى مطلع 2024، لكن السوق في الوقت ذاته تنقصه المعلومات والدراسات المتكاملة والمفصلة عن العرض والطلب الحالي والمتوقع للقوى العاملة، ومعدلات الرواتب لكل الوظائف على مستوى المناطق والقطاعات الاقتصادية. ولا يمكن لأي سوق عمل أن يجري بكفاءة عالية دون توفر "منظومة معلومات سوق العمل والقوى العاملة" التي تدعم قرارات اللاعبين في السوق: (1) الطلاب/الباحثون عن عمل/الموظفون، (2) أصحاب العمل، (3) الجهات التعليمية والتدريبية، و(4) الجهات الحكومية الإشرافية، فالتفاعل بين هذه الأطراف لا يتم بشكل سليم داخل السوق إلا إذا توفرت أمامها معلومات دقيقة، وموضوعية، ومترابطة، وآنية، ومتاحة. على سبيل المثال، الطلاب والباحثون عن عمل والموظفون يحتاجون إلى معرفة القطاعات المزدهرة والوظائف الشاغرة والواعدة التي تتطابق مع مؤهلاتهم ومهاراتهم، ومقارنة الوظائف من حيث الرواتب، ويحتاجون كذلك إلى معرفة المؤهلات التعليمية والبرامج التدريبية والشهادات المهنية اللازمة لمواصلة التطور في المستقبل. أما أصحاب العمل، فيحتاجون مثلا إلى معرفة حجم القوى العاملة في مناطقهم، ونوعية المهارات التي تمتلكها، ومستقبل نمو الوظائف في مناطقهم/قطاعاتهم، ومعدل الرواتب للوظائف التي سيقومون بالتعيين عليها، وعدد الباحثين عن عمل ونوعية مؤهلاتهم ومهاراتهم. فيما تحتاج الجهات التعليمية والتدريبية إلى استشراف مستقبل التوظيف في تخصصات معينة إن كان يتجه نحو الارتفاع أو الانخفاض، ومعرفة نوعية التعليم/التدريب الذي يجب تقديمه للقيام بالوظائف الحالية والمستقبلية، وتحديد الوظائف المناسبة لفئة الشباب، وتلك التي تتناسب مع الفئات الأكبر سنا لإعادة تأهيلهم. وتركز الجهات الحكومية المعنية بسوق العمل على معرفة القطاعات والمهن التي تتطلب عمالة مؤهلة، وعلى معرفة الفوارق بين المناطق الجغرافية والقطاعات الاقتصادية من حيث تفشى البطالة أو انخفاض مستوى التوطين، والتحقق من مدى استفادة القوى العاملة من منظومات المعلومات الحكومية استفادة تساعدها على اتخاذ القرارات المهنية السليمة. حاليا، الهيئة العامة للإحصاء تعتمد على مواقع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، ومركز المعلومات الوطني للحصول على بيانات المشتغلين. لذلك، نقترح إنشاء "مركز معلومات سوق العمل" يتولى بناء منظومة معلومات تتكامل مع بقية المنظومات الحكومية، وتعتمد على مفهوم (labor market intelligence) لتمكين الجهات الحكومية المعنية من تحديد الفجوات أو الاختلالات في السوق، والتدخل سريعا لتعديل السياسات/المبادرات القائمة أو الإعلان عن سياسات/مبادرات جديدة، فيما تتمكن الأطراف الثلاثة الباقية من اتخاذ قرارات تتلائم مع متطلباتها في الحاضر والمستقبل بصورة أكثر وضوحا. بندر الضبعان