الماء مصدر الحياة وعنصر حاسم لبقائنا أحياء، ولكنه يتعرض في السنوات الأخيرة لنقص شديد؛ فيتوقع كثيرون أن تصبح حروب المستقبل نزاعًا من أجل السيطرة على إمدادات المياه، ولكن هذا اليوم لما يأتِ بعد؛ إلا أنه قد يكون أقرب مما نعتقد بسبب معدلات الاستهلاك البشري للموارد. ويحدث الجفاف حينما تمر فترات طويلة دون سقوط الأمطار على مناطق عادة ما تشهد قدرًا معينًا من الأمطار. وحتماً يعد التدخل البشري وحده سببًا في نضوب إمدادات المياه الطبيعية؛ فللتغيرات المناخية دور أيضًا، وقلة هطول الأمطار ليست العامل الوحيد الذي يؤدي إلى الجفاف؛ فقد ينتج أيضًا عن ارتفاع درجات الحرارة الناجم عن زيادة الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، وتصدر تلك الغازات نتيجة النشاط البشري؛ فإن لم تُقيد، فسوف تستمر درجات الحرارة في الارتفاع. كذلك قطع الأشجار يساعد على حدوث الجفاف أيضًا؛ حيث إن الأشجار تقوم بحماية المياه من التبخر على نحو أسرع، وتساعد على الحفاظ على رطوبة الغلاف الجوي؛ كما تستفيد المياه الجوفية من الأشجار، وفور اختفائها تصبح التربة غير قادرة على الاحتفاظ بالمياه على نحو فعال؛ ومن ثمَّ تجف المياه وينتج عنها تصحر المنطقة المتضررة. خلال فترات الجفاف، يعد المزارعون من أكثر المجموعات تضررًا، سواء من يقومون بتربية الماشية أم زراعة الأرض؛ فندرة المياه ذات تأثير مباشر في معيشتهم. وعندما تجف الأراضي الزراعية، قد تفقد التربة كلَّ رطوبتها، وفي نهاية المطاف يمكن أن تصبح الأرض قاحلة وغير صالحة للاستعمال. ويكون ذلك نتيجة خفض نوعية التربة؛ فتشهد انخفاضًا في النشاط العضوي؛ مما يؤدي في النهاية إلى موت جميع أشكال الحياة عليها. كذلك تُسهل التربة الجافة من حدوث عملية تآكلها؛ حيث تحملها أي رياح قادمة في طريقها إلى مكان آخر. وتعاني الماشية أيضًا؛ فينتهي بها الأمر متضورة جوعًا أو ميتة من العطش. السنوات القليلة الماضية أكثر السنين جفافًا في بعض مناطق العالم، ومنها ولاية كاليفورنيا، والهند، وجنوب إفريقيا، على سبيل المثال لا الحصر. وقد سجلت مدونة ناشيونال جيوغرافيك العلمية التالي: (دخلت ولاية كاليفورنيا لتوها السنة الخامسة من هطول الأمطار أقل من الطبيعي، والارتفاع غير الطبيعي في درجات الحرارة، وانخفاض وفرة المياه). وقد أظهرت دراسة جديدة نشرت في ال14 من فبراير لهذا العام في دورية "نيتشر كلايمت تشينج" (Nature Climate Change) أن ارتفاع درجة حرارة الأرض قد جعل الجفاف في الجنوب الغربي من الولاياتالمتحدة أكثر حدة بنسبة 40 % منذ عام 800 بعد الميلاد، ويتوقع فريق الدراسة من جامعة كولومبيا (Columbia University) وجامعة كاليفورنيا (University of California) الأميركيتين أن تستمر موجة الجفاف هذه حتى عام 2030. تكمن المشكلة في أن المناخ السائد حالياً أكثر سخونة مما سبق ويترافق أيضاً مع موجات جفاف كبيرة ومستمرة على مدار سنوات عديدة، وهكذا سيكون من الصعب تعويض نقص رطوبة التربة الناجم عن أكثر من 20 عاماً من الجفاف، ومن غير المرجح كسر الجمود الناتج عن جفاف بهذا الحجم في عام واحد صادف أن تساقطت فيه الأمطار بمعدلات جيدة، فسيستغرق الأمر بضع سنوات ذات رطوبة عالية لتعويض ذلك النقص.