" إلى قارئي: فك جيد ومعدة جيدة هذا ما أرجوه لك وحين تكون قد هضمت كتابي، حينها تكون على اتفاق معي". (فريدريك نيتشه) خلال محاولاتي المستمرة لفترة طويلة لتصنيف القراء عبر ما يعرضونه من بضاعة قراءاتهم وحصيلة الكتب التي يقتنوها من معارض الكتب في العالم الواقعي والعالم الافتراضي، لفت نظري نوعية من القراء الذين يشترون كتباً كثيرة ويحفظون عناوينها من الكتب الأدبية والفكرية ولكن عندما تبدأ النقاش معه يعترف لك أنه اطلع على الكتاب بشكل سريع وأنه سوف يحاول قراءته بشكل جدي لاحقاً. الغرابة في الوضع أن هذه الشريحة تتحدث بشكل مطلق عن الكتب بشتى أنواعها وعن تجاربهم في القراءة، وعن طقوسهم القرائية، كذلك عندما يتحدث عن كاتب شهير قرأ له كتاباً واحداً فقط يحكم عليه كما لو أنه قرأ كل أعماله واطلع على كل تجاربه. هذه المعرفة الجاهزة والتي يلتقطها البعض من جهد الآخرين دون دراية بعمقها وخلفيتها القرائية هي مثل الطعام الجاهز الذي يضر أكثر مما يفيد. بالإضافة إلى أن البعض من القراء اكتفى بالقراءة حيث يأخذ حِكم أو عبارة من كاتب شهير ولا يأخذ إلا ما يدعم توجهه ورأيه، وهذا يقودني إلى رأي الباحث الاجتماعي زيغمونت باومان في كتابه (الأخلاق السائلة) حيث يقول: إننا نواجه خطراً حقيقياً ينذر بنهاية عصر التعلُّم. بمعنى أننا أصبحنا لا نطيق صبراً على الكتاب وغيرها من المعارف، فالقراءة والمعرفة تحتاج صبراً وبحثاً وبالاً طويلاً ولا تحتاج إلى كسولٍ طموح، القراءة ذائقة شخصية وتتنوع حسب توجه الإنسان، وهناك قراء لا ينجذبون إلا للكتب التي تأخذ زخماً إعلامياً كبيراً، في حين أن هناك قارئاً مكتشفاً للكتب والكتَّاب ويحب أن يقرأ بعمق وروية دون التأثر برأي الآخرين وهذا النوع في الغالب يكون شغوفاً بالقراءة ودوافعه القرائية تنبع من الداخل، الواقع أن القراء مختلفون ولهم مذاهب شتى، ولكن الأكيد أن القراءة نعمة ربانية كبرى، تلك العلاقة المتوهجة التي ساهمت بتغذية عقولنا وزيادة رصيدنا المعرفي، لا ينبغي أن نتعامل معها بهذه السطحية ومن أجل ماذا؟ قل لي أنت من أجل ماذا؟