عندما كنتُ صغيرة، كنت مهمومة بما يكفي لأنسى كم أنا طفلة! شيءٌ ما في الأعلى: في الركنِ الشمالي من زاوية المقهى أتصفحُ وجوه الناس بانتظارِ قهوتي والكروسان الذي أحب.. أتأمل رُوَّاد المقهى بينما يَصْدَح اللحن الهادئ في أرجاء المكان، وأتابعُ النادلَ وهو يوزِّعُ القهوة على الزبائن.. ابتسمَ لتلك السيدة الأنيقة التي ترتعشُ وهي تتناولُ فنجالها.. يتَّجه النادل بفرحٍ إلى الشاب المشغول بهاتفه، في هذه اللحظات يدخلُ رجل كثُّ اللحية يحملُ حقيبةً متوسطة، أظنُّه ينوي السفر إلى جهةٍ قريبة.. شابتان على الطاولة القريبة من المدخل تتهامسان حول أمرٍ مُرْبِكٍ فيما يبدو.. سيدة وطفلها يجلسان؛ الأمُّ مشغولةٌ بكتابةِ رسالةٍ نصية، والطفلُ مستمتعٌ بأكل حلوى التراميسو التي طلبها... يا الله... كم نحنُ مختلفون! يجمعنا مكان وزمان واحد... في نظرةٍ خاطفة إلى الأعلى استوقفتني تلك البالونات التي تُغطي سقف المكان... ما أجملها! (قلتُ في نفسي) أغمضُ عيني لتنسكبَ موسيقى (yanni) في أعماقي.. أشعرُ بخفةٍ وسكون، وكأنَّ رأسي يرتفعُ عاليًا.. كإحدى تلك البالونات التي تُزَيِّنُ سَقفَ المقهى... أَتنَبهُ لصوتِ النَّادل وهو يُحَيِّيني ويَسكبُ لي قهوتي.. أقضي وقتًا قصيرًا قبل أنْ أغادر وأنا مختلفة! أبدو كأنني تركتُ رأسي معلقًا في سقف المكان مع تلك البالونات..