في يناير 1990م الموافق جمادى الآخر 1410ه كان اللقاء الأول والحديث الأول، وخطاب الطموح والتفاعل مع صانعي الكلمة، وصراع الصدق في القول والعمل، قال سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- كلمته التي خلدها التاريخ لجريدة «الرياض» في بدايات انطلاقها: «على جريدة الرياض أن تبحث عن المتاعب لأن الصحافة هي البحث عن المتاعب، وصحافتنا في أول الطريق ومن سار على الدرب وصل»، هي نبوءة رصد التغيرات المختلفة لتطويرها في المستقبل انطلاقًا من الفكر الإنساني وإدراك المسؤولية تجاه الجيل المقبل. عندما نستذكر هذا الحدث في ذكرى مرور ستين عامًا على إصدار جريدة «الرياض»، فإننا ندرك الدور الريادي والحضور الفاعل العظيم لجريدة «الرياض» في المشهد الثقافي، وفي ذاكرة الوعي الجمعي واستشراف المستقبل على منهجية التفكير وطريقة اتخاذ القرارات الرشيدة والتطويرية على المدى البعيد. وتبدأ الرحلة مع مهنة المتاعب والتحدي في استنطاق الخبر تحقيقًا أو حوارًا أو قصة أو مقالًا في أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فمن أسطر الرصاص البدائية في الطباعة لعام 1385ه، ومحررين لا يتجاوزون العشرة، في حي (المرقب) بالرياض من هنا كانت بداية صناعة أقوى المشاهد الثقافية العربية، بلون واحد وفكر متّقد متحدٍّ، وتقفز بنا في 1394ه وتغير مضمونها وشكلها البدائي في نقلة حديثة وتطلع أوسع وتجربة جديدة نحو بُنية متطورة في الصحافة، فتنوعت ألوان الطباعة، وأبحر الفكر في مفردات الفن والأدب وفي جوانب المجتمع وسلوكه اليومي وصور أخباره المتعددة. وتستمر الرحلة ويكبر الطموح وتتجاوز سقف التوقعات، فتسارع الخطى نحو الارتقاء والتقدم في قفزتها الثالثة عام 1414ه، فاستخدمت تكنولوجيا العصر الحديث من خلال موقعها الإلكتروني، حيث تصدرت قائمة مواقع الصحف السعودية والخليجية كأكثر المواقع زيارة بحسب نتائج موقع (اليكسا)، فواكبت التطور الطبيعي للصحيفة، وحركة التطور الشاملة في الحياة السعودية. ولم يغب عن مسيرتها دعم المرأة السعودية والاحتفاء بإنجازاتها، فقد كانت الأولى عربيًا ومحليًا عندما عينت سيدة في منصب مديرة التحرير، وصدرت صفحتها الأولى تحت عنوان (حواء الجديدة)، إنها حياة زاخرة بالإنجاز وصنع القرار وتحدي الزمن والمكان. أخذت جريدة «الرياض» على عاتقها في إطار الحرية الممنوحة لها نقل الخبر وتحليله، والتلوين الدائم في طرحها للملفات الثقافية والأدبية والفكرية في حُلّة جديدة، فلقد استخدمت أدواتها المهمة، ولغتها الخاصة التي تحتاج إلى دراية كبيرة، وثقافة هائلة، لترسم جغرافيتها الفكرية في عقل كل من المحرر والمتلقي، واستثمار فنون الصحافة لصالح العناية بالمادة الثقافية، فعملت على تعميق العلاقة بين الأكاديميين والصحافة الثقافية من خلال إثرائهم للمشهد الثقافي بكتاباتهم المتنوعة، وهنا تبدأ الأذواق في التباين ويتشكل عنصر جذب القارئ نحو المادة المطروحة، وهذا غالبًا ما يضطلع به الملحق الثقافي في جريدة «الرياض». فهو بمثابة البوابة التي ترصد التنوع الثقافي ونقاط قوة المجتمع ضد الفعل الثقافي، وبث الأدب بكل مفرداته إلى القرّاء، وإخراجه من النسق النمطي التقليدي إلى قالب ينسجم مع مجريات العصر وفلسفته المعاصرة. واستطاعت «الرياض» من خلال تبني موقف موضوعي إزاء الأحداث أن تواكب ما يجري على المستوى العربي والعالمي والمحلي، وتتناول القضايا الراهنة ضمن إطارها الفكري المستند إلى الأصيل من التراث المعرفي والإدراكي للوعي الجمعي لجماهيرها، فلقد كانت قضيتها الحقيقية وصراعها الدائم هي الفكر الإنساني، وكيف تعمل على ما يؤسس لهذا الفكر وسلامته. وهذا التحدي يستلزم مهارة التعامل مع الثوابت والمستجدات، والقدرة على ممارسة النقد الثقافي الذي يُعّد الوجه الآخر للإبداع، والموازنة بين الجمهور والنخبة دون التخلي عن هدفها الفكري والأدبي والفني. وستبقى محبوبتنا جريدة «الرياض» رائدة للفكر الإنساني، وعنواناً لشموخ الوطن، ورسالة للسلام.