بعد كتابها "إضاءات موسيقية وفنية" ثم ديوانها الشعري "الفرح عنوان الأبد"، أطلقت الشاعرة والكاتبة والناقدة الموسيقية اللبنانية هالة نهرا كتابها الثالث "موسيقات وفنون وثقافات" (2022). يضمّ الكتاب نماذجَ من كتاباتها النقدية والثقافية والفنية والإعلامية في فترة معيّنة، إضافةً إلى نصوصٍ على نوْل محطّاتٍ من أسفارها إلى النمسا (فيينا- سالزبورغ)، وبودابست، وتونس، وتركيا... ينسلّ كتاب "موسيقات وفنون وثقافات" من شغف الكاتبة على الصعد الثقافية والمعرفية، ويتأتّى عن حرصها على صون إلتماعات في إطارٍ يحوي مسارات وإشراقات، ويشتمل بهذا على ومضاتٍ تشكّل فسيفساء. ورد في الكتاب ما قاله عنها عددٌ من الفنانين والمثقفين، المايسترو أندريه الحاج قال: "هالة نهرا ليست من الأشخاص القلائل فحسب، بل لم يَنْوَجِد مثلها"... وكتب عن ديوانها الشعري الفنان مرسيل خليفة أنه "ومضةٌ تُبدّد دامساً غميساً في زمن العسر وأنّ لقصيدتها صهوتها وهي تصنع مجراها كالماء وتتدفّق"... وكتب لها الفنان سمير شمص أنها "أميرة الكلمة"... وكتب عنها ولها الفنان عمر ميقاتي ابن نزار ميقاتي مؤسس المسرح الوطني في لبنان أنها ماسة زرقاء تشعّ نور المعرفة والإبداع وتجعل العقل الكلّي يبتسم"... وكتب لها الفنان أنطوان الصافي ابن الفنان وديع الصافي أنها الشاعرة الملهِمة والناقدة والصحافية الكبيرة. في كتابها الأوّل "إضاءات موسيقية وفنية" أضاءت نقدياً على فيروز والأخوين رحباني ومرسيل خليفة وأسامة الرحباني وزياد الرحباني وسواهم، وعلى الأغنية الملتزمة، مع إضاءات على فنانين شباب ومخضرمين وتحليل لأزمة الموسيقى العربية، مروراً بقاماتٍ كبيرة من طينةٍ خاصة: المسرحي اللبناني الكبير يعقوب الشدراوي على سبيل المثال... أمّا في كتابها الجديد، فهي تمرّ بأسماءٍ محفورة في الذاكرة الشعبية وفي سجلّ الموسيقى العربية: ليلى مراد وزكريا أحمد من مصر، ونور الهدى اللبنانية مثلاً، كما تضيء على العملاق السوري صباح فخري، وعلى جوانب في شخصية النجمة الكبيرة و"جارة القمر" فيروز لا يعرفها الجمهور، وعليها راهنت "الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق-عربية" ودورها بقيادة المايسترو أندريه الحاج في حوارٍ موسيقي، وعلى ممثلين مبدعين كبار حادَثَتهم في زمن كورونا بحثاً عن الآفاق الفنية في الظروف الصعبة... إضافةً إلى الموسيقى التي انتصرت عزفاً وتأليفاً لإرادةِ الحياة بعد انفجار مرفأ بيروت... وعلى ديوان العود للفنان الكبير النجم مرسيل خليفة، ومواضيع وأسماء كبيرة أخرى. كل ذلك بعد مقدّمة أساسية تظلّل الكتاب وتنطلق من الفن فلسفياً وإستِطيقياً. كما تمرّ الكاتبة بأفضية الجاز مع تركيزٍ على المقامات العربية التي تعدّها أساساً وكنزاً فنياً وثقافياً، على الموسيقى العربية في مواءمتها بين الموسيقى البيزنطية والسريانية وتجويد القرآن... الكتاب ليس تقليدياً ولا أكاديمياً جامداً وبإمكان الجميع قراءته وفهمه، وهو يفيد البحث العصريّ من منطلقات رحبة. كتابٌ فيه مروحة من الألوان كقوس قزح يشكّل علامةً كما تقول المؤلّفة، ولا ينحصر بالمتخصصين بل يخاطب المثقف أينما كان والشباب والقارىء الذي يحب الثقافة والفن وبعض انعكاسات صور المرايا الحضارية بأسلوب سلس ومغاير، بعيداً عن أساليب البحث الكلاسيكية والحفر العمودي، فقوس القزح يتبدّى هنيهةً في المدى ويرتسم مُعشِّشاً في القلب والعقل. حين يصل النتاج النقدي والمعرفي، إن عبر إطار القراءة والتلقّي اللذين تعدّهما الكاتبة والشاعرة في غاية الأهمية كما تقول، أو في إطارٍ تفاعليٍّ إنساني وبحثي يُسهم في التقدّم أيضاً، فإنّ الكلمات تكون قد ارتدت أجنحتها لتطير... "كلّما عرفنا أكثر كلّما اكتشفنا أن معرفتنا نسبية لأن المعرفة بحرٌ. الأهم يكمن في المشاركة بتواضع وقدر الإمكان في البناء المعرفيّ".