شيعت الرياض مؤرخها ورحالتها الشيخ محمد بن ناصر العبودي، الذي انتقل إلى رحمة الله عن عمر يناهز 100 عام، وصلي عليه بجامع الجوهرة البابطين طريق القصيم قبل موارته الثرى بمقبرة شمال العاصمة الرياض، فيما بدأت مراسم العزاء بمنزله بحي النزهة شارع القادسية. عاش العبودي وضعاً صحياً صعباً غير مستقر منذ شهرين بعد عيد الفطر المبارك الماضي، ازددت عليه أعراض الشيخوخة وكبر السن حتى رحل إلى جوار ربه يوم الخميس الماضي. الراحل عُرف بغزارة مؤلفاته ورحلاته إلى أكثر من 160 دولة في العالم وما زالت الأوساط الثقافية والإعلامية في المملكة تواصل نعيها للفقيد توالت ردود الأفعال على رحيل العبودي بوسائل التواصل الاجتماعي، ففي «تويتر» انتشر «هاشتاق» يحمل عنوان #محمدناصرالعبودي. ونعت دارة الملك عبدالعزيز عميد الرحّالين العلّامة محمد بن ناصر العبودي الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي سابقًا قائلة: "للفقيد بصمة وجهود في المنظمات الإسلامية لعديد من الدول في أصقاع العالم، وإسهامات فكرية ومؤلفات علمية نافعة". وقالت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة: إن الراحل له إسهامات معرفية بارزة داخل المملكة وخارجها، وإثراء وتواصل ثقافي مع المكتبة. وقال ناشر مؤلفات الأديب والرحالة السعودي الأستاذ محمد المشوح: إن الراحل العبودي شاهد عصر على التنمية والتطور في مفاصل المملكة العربية السعودية، وكون مدرسة خاصة في أدب الرحلات وهي المدرسة الوصفية التي تلتقط كل حدث وكل منظر، مشيراً إلى أن الراحل كان يمضي في سنواته الأخيرة أكثر من 16 ساعة يوميا في الكتابة، لافتاً إلى أن الراحل ألف 300 كتاب نشر منها 246، مؤكداً إلى أن الراحل العبودي عرف عنه بذاكرته الحديدة والتي كان يضرب بها المثل في قوة الذاكرة. ويقول الباحث والكاتب عبدالسلام الوابل: العبودي أحد الأعلام الكبار الذين مثلوا مرحلة ما قبل التنظيم المؤسسي للمعرفة العلمية في البلدانيات، تلك الجواهر التي نضدت المشروع الفريد المعنون ب"المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية". مشيراً إلى أن الراحل العبودي عالم ومنتج لمعاجم في البلدانيات واللهجات والأسر تاركاً تراثاً زاخراً. وأضاف لو أن كلية آداب، بأقسام التاريخ والجغرافيا والأنثروبولوجيا فيها، خدمت هويتنا وتراثنا المحلي بمثل ما فعل العبودي لرفعنا والجغرافيا والاجتماع، حيث أنتج العبودي معارف تتصل بكل من هذه الأقسام. مطالباً جامعة القصيم أن تنظم ندوة كبرى (من يومين وعدة جلسات) عن أعمال الراحل. لافتاً إلى مؤلفه الضخم "معجم بلاد القصيم" يستحق ندوة لوحده. وقال استاذ الأدب والنقد الدكتور عبدالله الحيدري عن الراحل العبودي: "لقد حرصت منذ مدة طويلة وأنا على مقاعد الدرس الجامعي على اقتناء مؤلفاته - رحمه الله -، ثم حصلت على مؤلفاته الجديدة إهداء عن طريق الصديق الدكتور محمد المشوّح، ولدي في المكتبة ركن خاص بمؤلفاته رحمه الله رحمة واسعة. والشيخ محمد العبودي شخصية لافتة بما تحمل من تجارب ثرية في السفر والترحال، وفي ممارسة الأعمال الإدارية والتربوية، مع رصيد ضخم من المؤلفات في حقول متعددة ومنها: الحقل الأدبي وخاصة أدب الرحلات، والحقل الجغرافي، والاهتمام بالتراث المحلي غير المدوّن، والعناية بالجوانب اللغوية، والتأريخ للأسر. وأشار الحيدري إلى أن الراحل فازت بعض مؤلفاته - رحمه الله - بجوائز؛ مما يعني علو كعبها ورفعة قيمتها. ومنها: جائزة كتاب العام بنادي الرياض الأدبي (الدورة الثالثة) عن كتابه "معجم الأصول الفصيحة للألفاظ الدارجة"، وجائزة وزارة الثقافة والإعلام عن كتابه "معجم الملابس"، واختارته وزارة الثقافة شخصية العام، وكرم في الجنادرية. واتخذ معالي الشيخ محمد بن ناصر العبودي - رحمه الله - جلسة تعقد في منزله بحي النزهة بالرياض بعد مغرب كل اثنين، وحضرت عدة جلسات؛ للاستفادة مما يُطرح فيها من معلومات وما يُثار فيها من نقاش؛ وبخاصة أن مديرها الدكتور محمد المشوّح يدير دفة الحديث باقتدار. وقد أُنجزت ثلاث رسائل جامعية عن رحلات الشيخ محمد العبودي، وهي: تثمين أدبي لرحلات الشيخ محمد العبودي الهندية لعطاء الرحمن أعظمي (1435ه)، وأدبية الرحلة عند العبودي: رحلاته إلى البرازيل لعمران الأحمد (1437ه)، ورحلات العبودي إلى غرب إفريقيا لشعيب الكنكاوي (1441ه). وقد نشرت عام 1440ه/2020م بحثًا عنوانه "فن المقامة في الأدب السعودي المعاصر: دراسة تاريخية" (مجلة جامعة حائل، يناير 2020م)، وأشرت فيه إلى ريادة الشيخ محمد العبودي في هذا الجنس إذ أصدر كتابين، وهما: المقامات الصحرواية، والمقامات البلدانية. وقال الأديب حمد القاضي: إن الراحل العبودي كان ملازما للكتاب وللقلم لا نعلم أن أديبا كتب بالرحلات بمثل غزارته ولم يدع فنا إلا ألف فيه رائد أثرى المكتبة السعودية والعربية، مطالباً هيئة الإذاعة والتلفزيون بقوله: "حين يُتوفي رمز أدبي أو علمي الحديثَ عنه وبلورة ما قدمه لمشهدنا الثقافي بأحد برامجها".