المبادرة المحورية التي صنعها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عبر ظهوره متوسطاً بين الشيخ تميم والشيخ طحنون هي ما كانت تحتاجه شعوب الخليج والمنطقة، لذلك كانت دبلوماسية الصورة لمحة سياسية بارعة في صناعة المفاجآت وتغيير المسارات السياسية وترويض التحديات من أجل المستقبل.. في السابع عشر من سبتمبر 2021م، فوجئ العالم بصورة ملأت الفضاء الإعلامي وقنوات التواصل الاجتماعي، هذه الصورة ظهر فيها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وهو يتوسط سمو الشيخ تميم بن حمد أمير قطر، وسمو الشيخ طحنون بن زايد مستشار الأمن الوطني بدولة الإمارات، وجود الشخصيات الثلاث في هذه الصورة لفت الأنظار، وخاصة أنه لا يبدو أن هناك أي شكل من الرسمية في اللقاء، فكل القيادات الثلاث مبتسمون ومستعدون كما يبدو لرحلة بحرية أخوية، اللافت للنظر في تأثيرات هذه الصورة هو قدرتها الدبلوماسية على ملء الساحة الإقليمية والدولية بالتوقعات والتحليلات والأسئلة. في غضون ساعات تحولت هذه الصورة إلى مؤثر سياسي ارتبط بسرعة هائلة لقراءة الحالة الخليجية، كما عكست هذه الصورة القوة الفعلية لتأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي وفاعلية المجال الرقمي اللذان ساهما في تحويل صورة فوتوغرافية إلى مؤثر دبلوماسي سريع في المجال السياسي الخليجي، الرسالة الأولى لهذه الصورة كانت بالتأكيد تستهدف الشعوب الخليجية والتواصل مع الشعوب، وإطلاعها على ما يجري في القضايا المهمة للقيادات، خاصة أن القيادات الخليجية تدرك اليوم وبقوة أن المجال الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي أصبحا المؤثر الأول في العالم من حيث الأخبار والتطورات السياسية، بجانب أن شعوب دول الخليج اليوم تشكل رقماً مهماً في وسائل التواصل الاجتماعي على المستوى الدولي. الحالة الخليجية بكل تفاصيلها فيما يخص أزمة 2017م قد تغيرت، حيث فرضت هذه الصورة مساراً مختلفاً أكد أن الدول الخليجية تدرك بعمق أن محور استقرارها يكمن في تمسكها وحل القضايا العالقة والحوار وتجاوز الأزمات، في العام 2017م كانت الأزمة الخليجية قد أظهرت مؤشرات مقلقة حول مستقبل هذا الكيان الدولي المهم، ووصلت الأزمة إلى أقصى درجاتها من حيث التأثيرات المتبادلة، ودخلت الشعوب الخليجية فعلياً في قلق حول مصير الكيان الخليجي، وحاولت الكثير من القوى السياسية المضادة أن تدفع باتجاه تفكك الكيان الخليجي، إلا أن عمق التأسيس التاريخي لهذه المنظومة وقف سداً منيعاً أمام تلك المظاهر. الصورة التي جمعت شخصيات مهمة في الخليج لعبت دوراً دبلوماسياً فاعلاً، وكانت رسائل هذه الصورة واضحة جداً، ولعل أكثر هذه الرسائل وضوحاً هي ممارسة السعودية لدورها القيادي خليجياً، باعتبارها الأكبر بين دول الخليج والأكثر تأثيراً إقليمياً ودولياً، والحقيقة أن التاريخ كتب لنا أن الدور السعودي دائماً مرتبط بمكانة السعودية وممارساتها السياسية كدولة كبرى تمتلك معايير مختلفة تمنحها التأثير المباشر على مسيرة الأحداث ليس في المنطقة فقط بل أبعد من ذلك أيضاً، هذا الدور تدركه جميع الدول الخليجية والعربية، فالسعودية دائماً ما كانت المحور الأكثر فاعلية في تصفية المشكلات وتذليل الصعوبات السياسية خليجياً وعربياً. التحولات الإقليمية التي حدثت خلال العشر سنوات الماضية من المؤكد أنها تركت تأثيراتها السياسية والدبلوماسية على المنطقة، وتنامي القلق من المستقبل في كل دولة خليجية، وهذا طبيعي في سياق الثورات العربية، والقلق حول الأمن القومي العربي بمجمله، والقلق من تطورات الأحداث باتجاهات سلبية، كل تلك المعطيات ساهمت بظهور الكثير من المنعطفات المبررة المرتبطة بسلوك سياسي فرضته التحولات، وكانت الثورات العربية مجالاً مفتوحاً للمتنبئين بنهاية العالم العربي ودوله، لذلك فإنه من العدل تبرير تلك التوترات وربطها بأحداث المحيط العربي، ولكن التفوق الحقيقي أنه وبعد هذه الفترات العصيبة استطاعت دبلوماسية الصورة أن تؤكد أن الماضي انتهى، لتعلن عن مرحلة جديدة تغذيها الجذور التاريخية لهذه المنطقة المهمة في العالم. المبادرة المحورية التي صنعها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عبر ظهوره متوسطاً بين الشيخ تميم والشيخ طحنون هي ما كانت تحتاجه شعوب الخليج والمنطقة، لذلك كانت دبلوماسية الصورة لمحة سياسية بارعة في صناعة المفاجآت وتغيير المسارات السياسية وترويض التحديات من أجل المستقبل، ولم تكن هذه النتائج لتحدث لولا ممارسة السعودية لدورها التقليدي والطبيعي كدولة فاعلة ومؤثرة تمتلك معطيات هذا التأثير الذي تدرك كل الدول الخليجة والعربية أهميته، وقد ظلت السعودية عبر التاريخ تستخدم هذا التأثير من منطلق طبيعي يعكس حقها المرتبط بالتاريخ والجغرافيا والسياسية، لتؤكد أن المصالح الخليجية هي مصالح مشتركة، تلتقي في تقاطعها كل التحديات، ويتم تجاوزها بهذه الرؤية التاريخية للدور السعودي. من الواضح إقليمياً ودولياً أن الدول الخليجية تعمل بجد من أجل إعادة ترتيب مقوماتها السياسية، وتكثيف تنسيقها الدبلوماسي استعداداً لتحولات مهمة على المستوى الإقليمي والدولي، فالخليج يحتاج فعلياً أن يستعد من أجل مكانة أكثر تأثيراً في خريطة التغييرات المحتملة في النظام العالمي خلال العقود المقبلة.