المتابع لتاريخ العلاقات السعودية - الايرانية يدرك ان المبادرات السعودية نحو بناء جسور ايجابية مع ايران تفوق مبادرات ايران، السعودية وعبر هذا التاريخ الطويل من علاقتها مع ايران تسعى بشكل دائم لأن تضع نفسها موضع ثقة للإيرانيين استمرار الدول واستقرارها لا يحدثان الا بعد مرورها بتاريخ طويل من التقاليد السياسية العريقة، ولكن هذا الشرط ينتفي في الحالة السياسية الإيرانية اليوم بارتباطها بثورة لم يتجاوز عمرها ثلاثة عقود، فخلال المئة سنة الماضية وبعد سقوط أعظم تاريخ سياسي حكم إيران تمكن فيه القاجاريون من صناعة تقاليد سياسية عريقة انتقلت إيران الى مسارين سياسيين متناقضين. المسار الاول قاد فيه الشاه الاب وابنه نموذجا مندفعا لمحاكاة النموذج التركي فقد كان الأب معجبا بكمال أتاتورك وهو ما يتطلب الانفتاح الشامل على الحضارة الغربية، ومن ثم اكمل الشاه الابن هذه المسيرة بتكريس تقاربه مع الغرب وهذا ما شكل فترة انفتاح شديد سار بالعجلة التقليدية بسرعة عجزت التقاليد الدينية والمذهبية والمجتمعية في ايران عن تحملها فكانت اقرب الى الانكسار والتهتك فكانت ثورة الخميني التي استخدم فيها المذهب منطلقا له فكان الانغلاق والرجوع لسلطة التراث عبر الثورة ملهماً للخميني كي يصل الى السلطة مرشدا دينيا وفقيها وليا. المنهجية التي دفع خلفها الخميني ثورته تبنت الفكرة الراسخة والمعترف بها تاريخيا بأن الدين دائما ما يؤدي دورا حيويا في تكوّن الدول فما بالك اذا كان هذا الدين مستندا الى مذهب يشكل اقلية بين المسلمين ويتبنى فكرة المظلومية في التاريخ السياسي الاسلامي، الدين بطبيعته وخاصة في ايران المذهبية يلعب دورا نشطا في السلوك السياسي وهذا ما تعكسه كل المظاهر السياسية التي تتبناها ايران منذ بداية الثورة وحتى هذا اليوم. البنية السياسية في إيران في حقيقتها تواجه ازمة معقدة يصعب من خلالها تحديد الوجهة الرئيسة للشعب الايراني فالممارسات السياسية المرتبكة من قبل ولاية الفقيه عاجزة عن المرور بين تاريخ طويل من الحضارة الفارسية التي يتفاخر بها الشعب الإيراني، وبين تجاوز التعصب والاختلافات المذهبية التي ترتكز عليها مبادئ ثورة الخميني، لذلك لابد من الاعتراف بأن ايران الخميني تفتقد فعليا رسماً للتقاليد السياسية العريقة التي يمكن ان تخلق توازنا بين تاريخ مرتبط بالفرس، وبين مسار ثوري مبني على انشطة معادية لدول اسلامية كبرى لها مكانتها بين المسلمين. الحديث عن العلاقة السعودية - الايرانية يجب ان لا يستبعد تلك المسيرة التاريخية غير المستقرة او لنكن أكثر وضوحا المسيرة المتناقضة بين الانفتاح السياسي والانغلاق الفكري وخاصة خلال المئة عام الماضية وكيف ساهمت التناقضات السياسية في اخراج إيران الخميني بهذه الصورة، على الجانب الآخر السعودية وهي الاكثر استقرارا من ايران يحق لها أن تكون قلقة من جراء التطلعات الايرانية عبر استثمار المذهبية الدينية كما تفعل في اجزاء كثيرة من العالم العربي. السعودية دائما ما سعت الى بناء علاقات متينة مع جارتها على الطرف الشرقي للخليج العربي والمتابع لتاريخ العلاقات السعودية - الايرانية يدرك ان المبادرات السعودية نحو بناء جسور ايجابية مع ايران تفوق مبادرات ايران، السعودية وعبر هذا التاريخ الطويل من علاقتها مع ايران تسعى بشكل دائم لأن تضع نفسها موضع ثقة للإيرانيين ومع ذلك وفي احيان كثيرة لا تجد السعودية خطوات ايجابية من الجانب الاخر. السعودية وعبر تاريخها الطويل تنظر الى إيران كبلد مسلم لديه الكثير من الإمكانات لخدمة الاسلام وليس المذهب فقط كما أن السعودية تدرك أن النوايا الحسنة التي يمكن ان تبدأ بها العلاقة بين البلدين قادرة على ايجاد مناطق مشتركة للعمل الدبلوماسي والتعاون المشترك بهدف الوصول الى صيغة مشتركة وموثوقة في الحوار. السعودية التي قدمت الجانب الايجابي تدرك ماذا تريد من إيران ولكن السعودية وبحكم موقعها العربي والاسلامي لا يمكن أن تقترب من إيران دون أن تكون حذرة ومتيقظة لما قد يقود اليه هذا التقارب فالمشترك الديني والاختلاف المذهبي، وتقاطع المصالح السياسية يشكلان نقاطا اساسية في طبيعة هذا التقارب المحتمل وخاصة أن إيران لا تتخلى عن افكارها غير المرغوبة من الجميع ومنها تدخلها الدائم في مشكلات بعيدة عن اراضيها ورغبتها الدائمة لتصدير الثورة. إيران تقرأ الوضع في المنطقة بشكل مختلف عما يعتقد الكثير من المراقبين والسياسيين وحتى الدول، فالواقع السياسي والواقع المذهبي يظهران دائما بشكل متناقض في التصريحات والمواقف السياسية الايرانية فعلى سبيل المثال التحول في علاقة ايران مع الغرب يشكل سؤالا مهما حول التقاليد السياسية التي قامت عليها الثورة الايرانية. البراغماتية الايرانية التي ظهرت في علاقتها مع الغرب وتضحيتها بالتقاليد السياسية التي صنعت الثورة تعكس نوايا غير واضحة بل تدعو الى التساؤل حول نوايا ايران في المنطقة وخاصة أن السياسة الايرانية بهذا المنهج تدفع المنطقة الى مواجهة مذهبية خطيرة وهذه المواجهة ليست بالتأكيد الهدف الاوحد الذي تنشده السياسة الايرانية ولكن هناك أهداف مستترة تثير التساؤلات. العلاقات السعودية - الايرانية لا يمكن قراءتها من خلال أن ايران حققت انتصارات مذهبية في دول عربية او انتصارات سياسية مع الغرب ما يتطلب انتظارها، هذه القراءة بهذه الصورة قراءة اعلامية فقط أما القراءة السياسية فتقول إن السعودية حققت انتصارات كبرى على المسار السياسي جعل ايران في حالة رغبة دائمة لإقامة علاقات مع السعودية، ولان السعودية تتعامل مع منهجية سياسية ثورية في ايران لا يتجاوز عمرها الثلاثة عقود فهي تدرك أن مقومات سياسية كثيرة محتمل مشاهدتها من هذه المنهجية الثورية الحديثة المندفعة الى نهايتها في كثير من الاحيان فمثلا عدم المصداقية في العهود والمراوغة وعدم الثقة كلها مسارات محتمل ظهورها في أي لحظة في هذه العلاقة. السياسة الايرانية بحاجة الى ترويض ليس من قبل سياسييها بل من قبل مرشدها الاعلى الذي يتحكم بمفاصل الاتجاهات السياسية بشكل مباشر عبر ذراعه القوية (الحرس الثوري) فالسياسة الايرانية التي باتت مفهومة للجميع لا يمكن ان تتغير دون تغير في توجيهات مرشدها الاعلى.