بين الحين والآخر تبوح الذاكرة بما حفلت به سنين العمر في الزمن الماضي؛ تبوح عن الذكريات الممتزجة بالحنين، والشوق، والوجد، وكلما زاد الإنسان حنيناً وشوقاً ووجداً تذكر المواقف التي لها ذكرى عاطرة في حياته، أو ما يسكن داخله. وعبر صفحة "بوح الذاكرة" ننطلق إلى عوالم المُبدعين، نحاول أن نستنطق ذكرياتهم، أفكارهم، أعمالهم.. مع مشاهد ومراحل من مسيرة حياتهم العملية والمهنية.. حوارنا اليوم مع أ. سعود بن عبدالله القحطاني مدير عام إذاعة "هنا العزم"، للحديث عن بوح ذكرياته الشيقة والمثيرة، وعشقه للإذاعة والصحافة، ومشواره المشرق مع الإعلام. * بماذا تبوح به الذاكرة عن بداية دخولك مجال الصحافة؟ * هناك مفارقة مركبة في بدايتي المهنية شاء الله لي بها، فأنا تخصصت أكاديمياً في الإذاعة والتلفزيون لعشقي للعمل الإذاعي وعدم رغبتي في العمل الصحفي، وبعد تخرجي من الجامعة قررت إكمال دراساتي العليا في أمريكا تحديداً وتأجيل التحاقي بالعمل الوظيفي حتى أحصل على درجة الدكتوراه، وبدأت بالفعل الاستعداد للسفر وإنهاء الإجراءات المتبعة لذلك وإذ بيوم الثلاثاء الذي يسبق موعد رحلة المغادرة كان يوافق الحادي عشر من سبتمبر لعام 2011م، ذلك اليوم التاريخي الذي على إثر تبعاته أتى فوراً توجيه الملك عبدالله -رحمه الله- الذي كان ولياً للعهد حينها -بفتح أبواب الجامعات السعودية لاستقبال المبتعثين في الخارج وبالتالي عدم إمكانية الذهاب للدراسة هناك. وطال الوقت حتى إني دخلت بلاط صاحبة الجلالة من أجل سهولة الخروج منه، وتيسرت رحلة الدراسة الخارجية لكن حال صعوبة الابتعاث لأمريكا ومضايقة المبتعثين هناك دامت، ودمت صحفياً حتى جاءني اتصال من ديوان الخدمة المدنية (في ذلك الوقت) يحيلني للعمل الرسمي في إذاعة الرياض، واستمررت فترة ليست بالطويلة صحفياً متعاوناً في مجلة «اليمامة» بالإضافة لعملي الرسمي بالإذاعة قبل أن تأخذ الإذاعة وقتي بالكامل وتنهي مسيرتي الصحفية القصيرة. * متى بدأت العمل الصحفي؟ * كانت لي شخبطات صحفية لا تذكر قبل مغادرتي مجلة «أصايل» الكويتية إلى صحيفة «الرياض»، والذي حوّل مساري الإعلامي القدير أ. سعود العتيبي مدير تحرير مجلة «اليمامة» حينها للعمل في المجلة بدلاً عن الصحيفة وذلك عام 2002م لتبدأ مرحلة مهنية لا تنسى بالنسبة لي كغيري ممن عمل في مدرسة «اليمامة» الصحفية. * هل تتذكر أول مادة صحفية لك في مجلة «اليمامة»، وآخرها؟ * الحقيقة لا أتذكر تلك أو هذه، فأنا أملك ذاكرة مثقوبة فما بين بداية ونهاية تلك المرحلة ناءت بها عني سنين عديدة. * ماذا تحتفظ به الذاكرة من مواقف رسختها غرابتها أو طرافتها أثناء مرحلة عملك الصحفي؟ * كثيرة تلك المواقف قد لا تسعفني الذاكرة في استحضارها ولا تتسع المساحة لذكرها لكن أتذكر منها في البدايات تكليفي بتغطية أمسية شِعرية للأمير عبدالرحمن بن مساعد ليأتيني بعدها اتصال من الأمير الشاعر سعود بن عبدالله يشيد بالتغطية وكنت حينها كاتب التغطية باسمي الثنائي فقط «سعود بن عبدالله» وقال سموه حينها: أن سر اتصاله هذا دعماً منه لي لتشابه اسمي مع اسم سموه أيضاً. وفي تشابه الأسماء كذلك أتذكر وأنا في مكتبي باليمامة ذات يوم يحيل لي السنترال اتصالاً من الشيخ حسن الصفّار وإذا به لا يدع مجالاً لي لفهم ما يتحدث عنه فلم أسمع منه إلا «الامتنان والتقدير والثناء على ما سطره قلمي من معانٍ كبيرة وقيمة عن وحدة الشعب السعودي، ولحمته بكل مكوناته وفئاته المجتمعية» ولكثرة نشاطي الصحفي حينها، وكثير منه يصب في اتجاه ما تحدث عنه لم أعلّق إلا بالتأكيد على ما قال حتى انتهت المكالمة الهاتفية، وبعد تصفحي للعدد الصحفي لذلك اليوم بعد المكالمة وقعت عيني على مقال كبير حينها لمعالي المستشار سعود بن عبدالله القحطاني في صحيفة «الرياض» عن مدلول مضمون المكالمة، ولكون سنترال مؤسسة «اليمامة» الصحفية واحد أحيل الاتصال لي بفهم خاطئ من موظف السنترال. * متى وكيف بدأت رحلتك مع الإذاعة؟ * في عام 2005م تم تعييني على وظيفة مساعد مخرج برامج في إستديوهات الإذاعة بالمدينةالمنورة، وكنت حينها في مجلة «اليمامة» وكان للدكتور عبدالله الجحلان رئيس تحرير «اليمامة» موقف من قراري بالذهاب للعمل في المدينة وقال لي بالحرف الواحد: شف كم يعطونك راتب وعلمني أنا أعطيك دبل الرقم، وأعطيك وظيفة رسمية بس اجلس في اليمامة ويعلم الدكتور مكانته الكبيرة لديّ فقلت له: إذا سمحت لي سأبقى متعاوناً في اليمامة وموظفاً رسمياً في الإذاعة وكنا في مكتبه قال لي: أجل اجلس واتصل هاتفياً فوراً بوكيل وزارة الإعلام المساعد لشؤون الإذاعة حينها أ. محمد المنصور - وكان صديقاً له - وقال له أمامي: نريد سعود يداوم بالرياض تحتاجه «اليمامة» مثلما تحتاجه الإذاعة، لكنني ذهبت للمدينة «10» أشهر بعدها رجعت للإذاعة بالرياض، وعملت بعد ذلك معد ومخرج برامج، ثم كلفت مساعداً لمدير إدارة الإخراج بضع سنوات، ثم مديراً للإخراج في إذاعة الرياض سنوات تماثلها ليتم تكليفي قبل أكثر من سنة مديراً لإحدى الإذاعات السعودية. * ما أبرز برامجك الإذاعية التي ما زالت في الذاكرة؟ * لعل أبرزها من حيث نوعية الإنتاج: برنامج: «أهل الخليج» من إعدادي وإخراجي، وبرنامج: «بداية و نهاية» إعداد الأمير سيف الإسلام بن سعود وإخراجي، والبرامج الرياضية: «هجمة مرتدة، الموعد الرياضي، خط التماس» إبّان إشرافي على البرامج الرياضية بإذاعة الرياض. * هل تتذكر موقفاً ما زال عالقاً في الذاكرة مر بك أثناء إنتاج برنامج إذاعي؟ * المواقف في العمل الإذاعي كثيرة، من أطرفها وأغربها كان في أحد البرامج الرياضية حيث كان لدينا في الشأن الأهلاوي قضية معينة، وكان د. عبدالرزاق أبو داود حينها مسؤولاً في النادي رئيساً مكلفاً أو مشرفاً عاماً لا أتذكر الآن سوى أننا نسقنا معه قبل الحلقة، وأبدى موافقته وتمت المداخلة وانتهت الحلقة وإذا بضيفنا يتصل بي بعد الحلقة وأنا في مكتبي ومعي الزميلان مقدم البرنامج ناصر الغربي والمخرج بدر الشهري، وإذ بالضيف يكشف عن شخصيته أنه ليس د. عبدالرزاق بل هو مشجع أهلاوي بالفعل، ويفرق رقم هاتفه عن هاتف الدكتور رقم واحد فقط.. وليست المرة الأولى التي تحدث معه هذه الحالة فعدا تشابه الأرقام هناك تشابه في الصوت بشكل كبير، ومعرفة تامة بأحوال النادي وأسراره لذلك أتذكر أنه قال حينها: أحببت التداخل وتبني الدور لعشقي للدكتور وللأهلي، طبعاً حين ذاك لم يكن أمامنا سوى عدم إدراج الحلقة للإعادة، وإن كان تبني الدور محكماً ومثرياً. * حدثنا عن إذاعة «هنا العزم» وتجربتكم فيها؟ * هي إحدى الإذاعات الرسمية التابعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون تقدم برامج إذاعية نوعية ولها متابعوها، وتم تكليفي قبل أكثر من عام بإدارتها ونسأل الله التوفيق. * كيف تجد العلاقة بينك وبين الكتاب؟ * أجد أن بيننا علاقة ارتباط وطيدة تشعل أحياناً نار الغيرة لدى زوجتي لما يأخذه الكتاب من وقتي ومالي. * حدثنا عن تجربتك مع التأليف، وإصدار كتاب «المؤسسة الإعلامية.. الإدارة والقيادة»؟ * أنا بزعم أصدقائي وزملائي كاتب جيد وباحث هاوٍ، ولذلك لم أكن محترفاً للتأليف بل أبدأ دائماً باحثاً عن ضالة معرفية بالنسبة لي، وقد ينتهي بحثي بمادة جيدة تستحق الطباعة والإصدار مثلما تم الأمر لإصداري المذكور في سؤالك، وقد يستمر البحث والكتابة والقراءة في مبحث آخر، وبالتالي تستمر متعتي معه وقد أبدأ في مبحث جديد والآخر لم ينتهِ بعد وربما ثالث ولم أنتهِ من السابقين أيضاً، وهذا ما هو حاصل تحت يدي الآن، ما أريد قوله أنا لست محترفاً للتأليف أنا عاشق للبحث والكتابة والرصد والتحليل ويكفيني فقط الوصول إلى هدفي البحثي أو إلى نهاية مادتي الكتابية إن كنت في حالة كتابة. * ماذا عن العمل التطوعي في حياتكم العملية؟ * لديّ نشاط جيد في هذا القطاع -وهو ما يسمى بالقطاع الثالث- فأنا أحد مؤسسي جمعية «إعلاميون» السعودية، وعضو مجلس إدارتها الحالي، وأيضاً عضو مجلس إدارة جمعية الفويلق الخيرية بمحافظة القويعية، وجميعها منظمات تطوعية، وأجد نفسي بين حين وآخر في عدد من المبادرات التطوعية التي أستمتع بخدمة المجتمع من خلالها. * ماذا عن التجربة التلفزيونية لديك؟ * هناك بعض الأعمال التلفزيونية الإذاعية المشتركة داخل هيئة الإذاعة والتلفزيون بالإضافة إلى التجربة الخاصة المتمثلة في تأسيس قناة «دايركت» الفضائية. * الذكريات من الأشياء الجميلة في حياتنا.. لها شوق وحنين فما هي بنظرك؟ * الذكريات حياة أخرى بكل تفاصيلها موجودة في أعماقنا قد نعيشها مرة أخرى بحالة ما من الإبحار لعوالمها الخيالية أو عندما نلتقي شيئاً من مكوناتها في زمن غير زمنه الذي تركناه فيه. القحطاني أثناء إخراج أحد البرامج في إستديوهات الإذاعة الأمير الشاعر سعود بن عبدالله اجتماع للإذاعة ويبدو حضور الضيف تكريم سابق للضيف في أمانة مجلس التعاون أ. محمد المنصور