الولادة العجيبة في الحكايات الشعبية من المألوف أن تلد النساء بمخلوقات غير بشرية غالباً ما يكون لها دورٌ مؤثر في تغيير مجرى الأحداث نحو اتجاهاتٍ مُدهشة، لكن المختلف في حكاية: "بيض الحمل" أن حدث ولادة الأخت لم ينتج عن علاقة بين رجل وامرأة، وفي هذه الجزئية تذكيرٌ لنا بقصة مريم -عليها السلام- التي حملت من دون أن يمسسها بشر. وتُبيّن لنا رواية الجهيمان أن الأخت سلمى، بعد أن تركها أخوها سالم، صارت "تتجول فيما حولها من الصحراء فتأكل من أعشابها وتقتات من أوراق شجرها.. وفي صباح أحد الأيام جاءها المخاض فولدت حمرة". وفي رواية الضامر أيضاً لم يكن "عندها إلا ماي العين تشرب منها وتاكل من هالشجرة. وفي يوم جا حتنها وولدت البنت وجابت أربع طيور"، ولا تحدّد الرواية نوع تلك الطيور. وجاء في رواية الغامدي أنها اقتربت أكثر من الغابة و"آنست للطيور والسباع وتعلمت كيف تتعامل معها بل واتقنت لغاتها... فاجأها المخاض في قعر الكهف فولدت حمامة ورخمة وغرابا". وتُشابهها رواية الزهراني في إنجاب ثلاثة كائنات، لكنها تختلف عنها وعن غيرها في وجود كائن من غير جنس الطيور، ففي صباح أحد الأيام "وضعت ما في بطنها فكان فروخ حُديَّا، وغراب، وحيّة". وسيكون لوجود الحيّة دور واضح في الحصول على نهاية انتقامية مختلفة عن سائر الروايات. الصيام عن الكلام بعد الولادة تُخبر الأخت أولادها بقصتها، ومع أنه كان بإمكانها الذهاب إلى أخيها والدفاع عن شرفها بنفسها، إلا أنها فضّلت أن يقوم الأبناء بهذه المهمة الدفاعية. ولعل في امتناعها عن الكلام أيضاً استعارة من قصة مريم -عليها السلام- التي صامت عن الكلام ليقوم المولود بهذا الدور، غير المتوقع، نيابةً عنها. ففي رواية الجهيمان أن "الحمرة" طارت إلى المدينة وحّطت على الحائط وأنشدت: "يا الحمرة، يا الدمرة يا بايع أخته بالمرة، ترى البنية ما زنت، إلا ببيض الحمرة". وكرّرت نفس الأمر في اليوم الثاني، فتبعها الأخ إلى أن وصل لأخته. وفي رواية الضامر طارت الطيور الأربعة حتى وصلت لبيت الخال، فرأت زوجته تكنس وتُعدُّ الغداء، فقلبوا القدر وقالوا لها: "يا خالنا يا الدندرة يا طايعٍ شور المره امنا احملت من بيض الحمّلي، ومرة خالنا اسمنت من بيض السمّني"، وأعادوا الفعل والقول نفسه في اليوم التالي، وعندما لاحظ الخال في اليوم الثالث الفوضى الحاصلة في بيته اختبأ ليكتشف من الطيور حقيقة براءة أخته. أما في رواية الغامدي فكان للأبناء صوتٌ أعلى، فالأخت تستدعي أولاً ابنتها الحمامة وتصف لها موقع بيت أخيها، وعندما تطير ترى على السطح "امرأة تنسف قمحا وتنقيه"، فتهبط وتلتقط حبات القمح فتزجرها المرأة قائلة: "إحمَمِّي يا حمامة إحممّت عينك، فردت عليها الحمامة قائلة: بل إحممت عين من حبّلت أمي من غير حبل وأطمتها من سد جبل". وفي العيد تُرسل ابنها "الرخم" فيطير ليجد خاله يذبح أضحيته فيخاطبه: "يا خال يا خال هب لي من شحم الرخال"، ليدرك أن وراء كلام الرخم أمراً، فيذهب لزوجته ويدور بينهما حوار يقطعه صوت نعيق الغراب، وعندما ينظر هو وزوجته يجدان "جوقة عجيبة تحلق في سماء الدار ... كانت الحمامة تغني قائلة: يا خالي المخلخله، والرخم يردد مغنياً: يا بايع أخته بالمرة، والغراب يردد منغماً: قاق قاق". أمّا في رواية الزهراني فتغيب العبارات المسجوعة وينوب عنها الفعل، فقد طلبت الأخت من أولادها الذهاب لكشف الحقيقة، "فأخذ الغراب ينقرهم والحية تبعثر الحب وتنثره والحُديّا تخطف اللحم وتهرب به". فيتتبع الخال الدم المتسرِّب من اللحم حتى يصل إلى الكهف الذي تقيم فيه أخته المظلومة. الانتقام من الظالم انتصار الضعيف والمظلوم أمر حتمي في خواتيم الحكايات الشعبية، وهذا الأمر هو المتوقع في نهاية حكايتنا. فرواية الجهيمان تتشابه مع رواية الضامر في أن الأخ يتولّى قتل زوجته الخائنة انتقاماً وانتصاراً لأخته بعد أن عرف الحقيقة منها، فقد عبّر عن ندمه بالبكاء والاعتذار في رواية الجهيمان، وعندما خلا بزوجته "أخذ لباس رأسها الذي يسمونه الشيلة وخنقها به حتى أسلمت الروح لبارئها"، وعند الضامر أن الزوجة حين شرعت في تبريراتها الكاذبة "ما امدامها تكمل كلامها والا اخذ سيفه وذبحها، ودفنها في السماده". أما طريقة موت الزوجة عند الغامدي فهي أكثر درامية، فبعد أن استمعت مع زوجها لكلام الطيور سقطت جثة هامدة "لهول المفاجأة". وتختلف رواية الزهراني في تصويرها لقسوة الانتقام وفي خلوها من أي تعاطف مع الخال، فهي لا تتيح له العيش مع أخته في سعادة كما فعلت في الروايات الثلاث، فعندما وصل لها وجدها قد صارت "عجوزاً"، ورغب أولادها في الانتقام منه، لكنها رفضت وأعلنت عفوها عنه، ولما "عاد إلى بيته وجد زوجته وقد نُقرت عيناها ولُدغت في قدميها وتقطع لحمها ... فدفنها ومات من فوره"! بقي أن أقول إن حكاية "بيض الحمل" وإن عبّرت عن تجربة إنسانية واحدة إلا أن كل رواية من رواياتها تتسم بسمات خاصة تميزها عن غيرها، كما أن تفاصيل كل رواية تؤكد للناظر براعة الرواة في السرد وفي الوصف وفي إثراء النصوص الشعبية. غلاف أساطير الأولين للزهراني محمد ربيع الغامدي سمير الضامر عبدالكريم الجهيمان