الحدث العجيب الأبرز في الحكاية، التي استعرض أحداثها وعدداً من عناصرها من خلال أربعة مصادر شعبية، ليس حَمل أخت البطل من دون اتصال برجل، بل حَملُها بطريقة عجيبة، ثم ولادتها لكائنات غير بشرية تلعب في الحكاية دوراً مألوفاً هو المساعدة على رفع الظلم عن المظلوم (الأخت)، والانتقام من الظالم (زوجة الأخ). فقد دوّن الباحثون روايات الحكاية نفسها وسط المملكة العربية السعودية، وشرقها، وجنوبها، وهي روايات مُتشابهة في إطارها العام وفي شخصياتها وفي بعض عناصرها الرئيسة، مع وجود اختلاف في جزئيات قد يُسقطها الراوي للإيجاز، أو قد يضيفها لملء الفراغات أو للتشويق وتمتيع المتلقي، أو لتكييف الحكاية لتلائم البيئة الجديدة التي تُروى فيها. الحكاية ذات بناء سردي بسيط وشخصيات محدودة، وتدور أحداثها حول زوجة الأخ الخائنة (أو القاسية) التي تنكشف خيانتها لأخت زوجها فتحتال للتخلص منها خوفاً من الزوج ومن الفضيحة، فتقوم بإطعام الأخت ببيض طائر مما يؤدي لانتفاخ بطنها، ثم تُقنع زوجها المخدوع بأن أخته حملت حراماً من رجل غريب، فيسعى للتخلص من أخته العفيفة بتركها في مكان بعيد لملاقاة مصيرها، وبعد مدة تنجب طائراً يذهب لبيت الأخ (الخال) ويكشف له الحقيقة ويُعيّرُهُ بأنه «باع» أخته بكلام «المره» (أي الزوجة). وقد نُشرت الحكاية بصيغ مُتشابهة تحت عناوين مختلفة هي: (سالم وزوجته وأخته) في الجزء الأول من (أساطير شعبية من قلب جزيرة العرب) للشيخ عبد الكريم الجهيمان. (بيض الحمّلي وبيض السّمني) في (احزايه) للدكتور سمير الضامر. (يا خالي المخلخلة) في (ذاكرة الفواجع المنسية: أساطير وحكايات شعبية من تهامة والسراة) للأستاذ محمد بن ربيع الغامدي. (الضحية) في (أساطير الأولين بين الخيال واليقين: روايات من تراث زهران وغامد -منطقة الباحة) للأستاذ محمد بن زيّاد الزهراني. بيض الحمل عند الجهيمان تطلب زوجة الأخ «سالم» من عشيقها جمع بيض «الحمرة» (طائر بري صغير)، ثم توهم الأخت «سلمى» بالمرض وتجبرها على ابتلاع البيض من دون طبخ ولا مضغ «فانتفخ بطنها حتى لا يشك من يراها أنها حبلى». أما عند الضامر فالبيض بيضٌ عجيبٌ مصدره بائع مُتجوّل سمعته الزوجة ينادي: «عندنا بيض الحمّلي، وعندنا بيض السمّني»، فأخذت هي «بيض السمني وصارت سمينه متبتبه»، ثم كسرت البيض الآخر «واطبخته وأكّلته لخت زوجها المسكينة! ويوم كلت البيض احملت». أما في رواية الغامدي فإن الزوجة أخذت بيضة من عش غراب ثم غمرتها «بخلطة من حب الرشاد والحلبة وحب الخردل» وتركتها لمدة ثلاثة أيام، واحتالت على الأخت بإقناعها باللعب معها لعبة (لقمة لقمان) بعد أن أحضرت «ست لقم من عصيدة قد كورت تكويرا» ووضعت داخل ثلاث منها ثلاث بيضات: «بيضة حمام وبيضة طائر الرخم وبيضة غراب». أما رواية الزهراني فالزوجة أعدت الفطور و»خلطت به بيضة حُديّا وبيضة غراب وبيضة حية». وسيلاحظ القارئ، لاحقاً، أن تغير «الحمامة» إلى «حيّة» بين الروايتين الجنوبيتين تغييرٌ مقصود وذو مغزى ينتج عنه نهاية مختلفة في رواية الزهراني للحكاية. مكان الولادة ومن العناصر التي تتجلّى فيها قدرة الرواة على تكييف الحكاية الشعبية عنصر المكان، ففي رواية الجهيمان، التي تنتمي للمنطقة الوسطى، أن الأخ رأى أن أنسب طريقة للتخلص من أخته «أن يخرج بها إلى مجاهل الصحراء فيتركها فيها حتى تموت جوعاً وظمأ وتأكلها الوحوش»، وحين تعمّق في الصحراء أناخ راحلته «بقرب شجرة عوشز». وفي رواية الضامر، أيضاً، خرج بها إلى الصحراء، لكنه جلس مع أخته «تحت شجرة، وجنبهم عين ماي»، فعيون الماء من الأمور التي تتميّز بها الأحساء ولا يستغرب استحضار الراوي لها هنا. أما في رواية الغامدي المدوّنة من منطقة الباحة في الجنوب فيقرّر الأخ التخلص من أخته في «الغابة الغربية»، وعند ساعات الفجر الأولى «نهضت من فراشها وتذرعت حوكتها ووضعت شرشفا على رأسها وسارت خلف الحمارة» حتى وصلا إلى الغابة، ثم دعاها إلى كهف يأويان إليه. أما الرواية الجنوبية الأخرى التي أوردها الزهراني فتنص على أنه خرج بها إلى «الجبل» للاحتطاب، وحين وصلا تركها «فوجدت كهفاً فنامت فيه». وبعد ترك الأخت المسكينة لتواجه مصيرها المجهول تحصل الولادة العجيبة، فتنجب كائنات يسهل التنبؤ بها في جميع روايات الحكاية ما عدا الرواية الأحسائية، لكن ضيق المساحة يجبرني على تأجيل الحديث عن الولادة وعن نتائجها وعن تأثيرها على خاتمة الحكاية للقسم الثاني من هذا العرض إن شاء الله. سمير الضامر محمد ربيع الغامدي غلاف أساطير الأولين للزهراني